[عدم نزول العقوبة بمحمد صلى الله عليه وسلم دليل على صدقه وكذب أعدائه]
قال رحمه الله: [والقرآن مملوء من هذه الطريق وهي: طريق الخواص، يستدلون بالله على أفعاله وما يليق به أن يفعل ولا يفعله قال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:٤٤-٤٧] وسيأتي لذلك زيادة بيان إن شاء الله تعالى.
ويُستدل أيضا بأسمائه وصفاته على وحدانيته وعلى بطلان الشرك، كما في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر:٢٣] وأضعاف ذلك في القرآن، وهذه الطريق قليل سالكها لا يهتدي إليها إلا الخواص، وطريقة الجمهور الاستدلال بالآيات المشاهده؛ لأنها أسهل تناولا وأوسع، والله سبحانه يفضل بعض خلقه على بعض] .
قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة:٤٤-٤٦] حق وصحيح، فإن كل من كذب على الله فإن الله ينتقم منه ولو بعد حين، فإن فرعون لما كذب وادعى الربوبية عاقبه الله مع كون مصر قد أطاعت له، حتى قال لهم: {وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ ولا يكاد يبين} [الزخرف:٥١-٥٢] يعني: موسى.
فماذا كانت عاقبته؟ انتقم الله منه وأغرقه وهم ينظرون.
كذلك الكذابون في زمن النبي عليه الصلاة والسلام لما ظنوا أن محمداً كاذب فقالوا: سوف ندعي مثلما ادعى، فتنبأ شخص يقال له: مسيلمة، فانخدع به بعض الجهلة من عشيرته، ولكن الله انتقم منه وسلط عليه المسلمين فقتل وضل أتباعه.
وكذلك تنبأ آخر في اليمن، فما متّع إلا ثلاثة أشهر حتى انتقم الله منه وأهلكه، وهكذا كل من ظهر منه اعتداء، يعرف ذلك من قرأ التاريخ.
فمن قرأ كتب التاريخ يجد أن هناك أناساً حاولوا التكبر والتجبر وحصل لهم شيء من الملك ومن القوة، فاستعملوا بطشهم وقوتهم، ثم أمهلوا مدة ولكن أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إن الله ليمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته وقرأ قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢] ) فكون هذا الإسلام باقياً، ومستمراً يزيد ويظهر، كلما ضعف في جهة مكن الله له في جهة أخرى، وأهله يحبونه ويقبلون عليه، ويتمسكون به، ويؤثرونه ولو قتلوا وعذبوا، دليل على أنه من الله تعالى، وأن ما يقولونه ويعتقدونه هو الدين الحق.
وكون الله جل وعلا يعجل العقوبة للكذابين والمفترين ويأخذهم وينتقم منهم، دليل على أن الله لا يؤيد الكذابين ولا يمكنهم، كيف يمكنهم وهم يفترون عليه؟! كيف يمكن لهم في الأرض وهم كذابون يقولون عليه ويضلون عباده؟! هذا لا يليق بحكمة الله تعالى، فإن من أسمائه الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها.
فيستدل المرء على صحة هذا الدين وهذه العقيدة وهذا التوحيد بآيات الله، وبمخلوقاته، وبأسمائه وبصفاته، يعني: بآثار تلك الأسماء، وآثار تلك الصفات، فإن من أسماء الله تعالى الحكيم، وهو الذي يضع الأشياء في مواضعها، ومن أسمائه تعالى العزيز، وهو الغالب لكل من خرج عن طاعته، ومن أسمائه أنه عزيز ذو انتقام، يعني: ينتقم ممن خالف أمره، ويأخذه أخذ عزيز مقتدر، كذلك من أسمائه العليم، وهو أنه لا يخفى عليه علم شيء في الأرض ولا في السماء.
وهكذا يقال أيضاً في حكمته وفي خلقه وفي تدبيره وفيما قدره وقضاه في هذا الكون، لا شك أن هذا كله له آثار تدل على ما أعطاه الله تعالى لعباده من الفكر ومن العقل، الذي رزق ووفق به عباداً صالحين قبلوه وتقبلوه.