ثبتت بعض الأحاديث التي فيها عد الكبائر كقوله صلى الله عليه وسلم:(اجتنبوا السبع الموبقات) ، وكقوله صلى الله عليه وسلم:(ألا أخبركم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقول الزور، وشهادة الزور) ، وهذه جعلها من أكبر الكبائر، وسميت اليمين الغموس بهذا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار، فاليمين الكاذبة ورد فيها وعيد شديد.
ولعلكم قد قرأتم الكتب التي ألفت في ذلك، فقد ألف فيها الإمام الذهبي كتابه المشهور: كتاب الكبائر، وأوصلها إلى سبعين كبيرة، جمع فيها ما وقف عليه، وإن كان قد أدخل بعضها في بعض، وجاء بعده ابن حجر الهيتمي وألف كتاباً كبيراً سماه: الزواجر عن اقتراف الكبائر، وأوصلها إلى أربعمائة، بتفصيل في بعضها، وهذا دليل على أنهما كثيرة، ويمكن أن توجد في هذه الأزمنة ذنوب لم تكن مشهورة من قبل، فتضاف إلى هذا العدد، وبذلك يعرف أن الكبائر كثيرة، وأنها لا تحصر في سبع ولا في سبعين، كما روي عن ابن عباس أنه قال: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع، وفي رواية: إلى السبعمائة، أي: أنها قد تصل إلى سبعمائة.
وقد يقال أيضاً: ضابط الكبيرة أنها ما أصر صاحبه على الذنب، ولو كان ذنباً صغيراً، ولذلك قالوا: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.
ولعل ذلك تفسير لما ورد في قصة الرجل الذي كلما أذنب ذنباً تاب إلى الله، واعترف به، وطلب من ربه أن يغفره، فغفره الله له وقال:(علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي) ، فجعل الاستغفار بعدها سبباً لمحو الذنب، فنقول: إن الإصرار على الذنب ولو كان صغيراً يصيره كبيراً؛ وذلك لأنه يدل على التهاون بذلك الذنب، وبما ورد فيه من الوعيد، وتهاون بنظر الله إليه، وتهاون بما جاء في تحريمه، فأصر عليه واستمر عليه، فإذا أصر على شيء يسير ولو كان -مثلاً- أكلاً يسيراً من الحرام، ولكنه استمر عليه فإنه يصبح كبيراً، وإذا أصر على كذب ولو يسيراً، كل يوم أو كل أسبوع يكذب كذبة أو كذبتين اعتبر هذا ذنباً كبيراً، وإذا أصر على النظر إلى النساء المتبرجات، واستمر على ذلك اعتبر استمراره كبيرة من الكبائر، وإذا أصر على السباب والشتم واللعن، أو أصر على سماع المحرم من الغناء ونحوه، أو أصر على النظر في الصور الفاتنة، واستمر على ذلك؛ اعتبر هذا الإصرار ذنباً يضاف إلى ما ورد فيه من الوعيد، واعتبر كبيرة من الكبائر.
وأما التعريفات التي تقدمت فكلها تقريبية، فكل يعرف الكبيرة بما يظهر له، ولا شك أن الذنوب تسد باب المعرفة، كما تقدم في بعض التعاريف، وإن كان هذا التعريف ليس بواضح، وكذلك التعريفات الأخر، التي فيها: أن الكبائر: ما توعد عليه بوعيد أو بعذاب أو بنفي إيمان، أو ما فيه حد في الدنيا أو عقوبة في الآخرة، والذين قالوا: إن الكبائر لا تعلم ولا يعرفون معناها، وأنها قد أخفيت كما أخفيت ليلة القدر في ليالي رمضان ونحو ذلك، نقول: لا شك أن الله ما أمر باجتنابها إلا وهي معروفة، ولا شك أنه ورد في بعض الذنوب ما يعين أنها من الكبائر، كما ذكرنا في السبع الموبقات وفي أكبر الكبائر التي في حديث أبي بكرة، وفي غير ذلك.
وإذا عرف العبد أن هذه من الكبائر، وأن الإصرار عليها سبب للوعيد الذي رتب عليها، فإنه يجتنبها حتى يسلم له دينه، وحتى يستحق الوعد من الله تعالى بتطهير الخطايا؛ وذلك أن اجتناب الكبائر سبب لمحو الصغائر.