ففي هذه الآيات من هذه السورة الدليل على أنه صلى الله عليه وسلم عُرج به فرأى جبريل وهو بالأفق الأعلى، ودنا منه، وأن الله تعالى (أوحى إلى عبده) يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم (ما أوحى) من فرض الصلوات الخمس.
فهذا مثال للإيمان بالغيب أو الأشياء التي لا تدركها الحواس أو يستغربها الإنسان إذا سمعها فيقول: بشر خُلق من الأرض، فكيف مع ذلك رُفع إلى السماء، وادعى أنه خرق السماوات سماءً فوق سماء، ثم نزل وهو على هيئته أو بحياته التي هو عليها، والإنسان خُلق من الأرض ولا يستطيع أن يفارقها؟ نقول: إن ذلك خلق الله وتقديره، وهو الذي يدبر الأشياء كما يشاء، فهو الذي خلق الإنسان وأعطاه الحياة على هذه الأرض، وأنزل عليها آدم وذريته وقال:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}[طه:٥٥] ، وقال:{فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ}[الأعراف:٢٥] .
فمعلوم أن الإنسان خلق من هذه الأرض، ولكن لا مانع من أن يُرفع إلى السماء إذا شاء الله تعالى ثم يهبط منها، ويكون مأواه ومماته على الأرض، ومنها يُبعث كما حصل له عليه الصلاة والسلام وللرسل من قبله.