للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توضيح معنى توحيد الخاصة وخاصة الخاصة عند الصوفية]

مر بنا بيان شيء مما أوضحه الله تعالى من العلم الذي هو أهم العلوم، وأن الله بينه عن طريق السمع، وعن طريق البصر، وعن طريق العقل، فبينه بالآيات السمعية، وذلك بالقرآن والسنة التي تسمع وتتلى، وكذلك بالآيات النظرية وهي المخلوقات التي جعلها الله علامات ودلالات يعتبر بها أولو الألباب.

وهكذا بينه عن طريق العقل، حيث أعطى الإنسان فكراً وعقلاً وذكاء يعقل به ما أمامه وما بين يديه، وبكل ذلك ينتج نتيجة وهي معرفة المرء نفسه ومعرفة ربه، ومعرفة ما خلق له وما أمر به، جملة وتفصيلاً.

ونتيجة هذه المعرفة وثمرتها هي العبادة الخالصة لله وحده، وترك عبادة ما سواه، فهذه هي نتيجة هذه المعرفة ومدار كلمة الإخلاص التي هي كلمة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، فإن أول ما دعت إليه الرسل كلمة التوحيد، وهو ما جاءت به وما بلغته، وهو ما عليه جماهير الأمة، وهو ما تعلمه المسلمون قديماً وحديثاً، ولا عبرة بمن خالف في ذلك من الصوفية الذين جعلوا هذه الكلمة توحيد العامة.

وذلك أنهم قسموا الناس إلى: عامة، وخاصة، وخاصة خاصة.

وقالوا: إن كلمة (لا إله إلا الله) توحيد العامة، وكلمة (الله الله) توحيد الخاصة، وكلمة (هو هو) توحيد خاصة الخاصة، يعني خلاصة الخلاصة.

فعند هؤلاء -قبحهم الله- أن الأنبياء والرسل والصحابة وعلماء الأمة كلهم من العامة الذين لا يعرفون ولا يفقهون، وعندهم أن الصوفية هم الخاصة، يدخل في ذلك أفرادهم وعلماؤهم، والواصلون منهم إلى الذروة هم خاصة الخاصة، فلأجل ذلك تجدهم في ذكرهم لا يزيدون على كلمة (هو هو) ، مع أنها لا تدل على معنى، وأما كلمة الإخلاص فإنها دالة على معنى فهمه المدعوون، فدلت على إخلاص العبادة لله والتبرؤ مما سواه، ولهذا تشتمل على ولاء وبراء، فإن قوله: (لا إله) براء، (إلا الله) ولاء، فتشتمل على اتصال وانفصال، فـ (لا إله) انفصال عن المألوهات، (إلا الله) اتصال بالإله وحده.

فيقال: فيها نفي وإثبات، وفيها اتصال وانفصال، وفيها: ولاء وبراء، فلما كانت كذلك كانت جامعة لمعنى التوحيد الذي هو توحيد الرسل، ولكن كما هو معروف أنه لا بد من معرفة معناها، وذلك لأنه وجد من المتأخرين من يتكلم بها وهو لا يفهم مدلولها؛ فيجب على المسلم أن يفهم ما دلت عليه حتى يعبد الله تعالى بمقتضاها.