إنما احتاج الأئمّة إلى إنكاره وقت وقوع قوم فيه، وذلك بعد صدر الإسلام، ويوضح هذا أن ابن جرير مع إمامته في الفِقْهِ والحديث كان من أجلاء الشافغية، فيبعد عليه نسبة إمامه الذي هو أدرى بمواقع الإجماع، والاختلاف من أمثاله إلى خرق الإجماع.
وإن أراد ابن جرير ما فهم عنه فهو كلام رديء، محجوج بكلام مسلم بن الحَجَّاج الذي قدمناه، والخطيب، وغيرهما.
والذي نعرف ذكره قديمًا للقائلين بالمراسيل، دعواهم الإجماع على قبول مرسل الصحابي.
أما مرسل التابعي، فلا نعرفه عن إمام من أئمّة النقل ممن يقبل المرسل دعوى الإجماع فيه.
ونحن نقول بمرسل الصَّحابي، ولا نسمّيه مرسلًا أيضًا، خلافًا للقاضي أبي بكر؛ حيث ردّه كما عرفت.
قال:"وأيضًا مما يدلّ على قبول المرسل أن الأصل الذي سكت مرسل الحديث عن ذكره، "لو لم يكن عدلًا عنده لكان" الرَّاوي بسكوته عنه "مدلّسًا في الحديث"، وهو قادح، وهذا أضعف من الأول، فإن التدليس إنّما يحصل لو أوهم عَدَالته، ولم يجر منه غير ترك ذكره، وترك ذكره سكوت عنه لا يَدُلّ على شيء.
وإن دلّ على عدالته عنده، فلم يلزم من عدالته عنده أن يكون عدلًا.
الشرح: ولذلك إن علماءنا "قالوا: لو قُبل لقبل مع الشّك" في عدالة الرَّاوي؛ "لأنه لو سُئِلَ جاز ألا يعدل"، وقد جرى هذا لطوائف من الأئمة، منهم الزهري أرسل حديثًا ثم سُئِلَ من حَدَّثك به قال: رجل على باب عبد الملك بن مروان.