قَالُوا: لَا يَكُونُ لِلإِسْنَادِ مَعْنًى.
قُلْنَا: فَائِدَتُهُ فِي أَئِمَّةِ النَّقْلِ تَفَاوُتُهُمْ وَرَفْعُ الْخِلَافِ.
لموافقة هذا الخصم فالمقدم مثله، والمُلَازمة واضحة؛ لأن علّة قبول المرسل [مع] (١) ظهور عدالة المُرْسل، وأنه على ما زعمتم لا يروى إلا عن عَدْل، وذلك معنى لا يختص بغير عَصْرنا.
ودفع المصنّف هذا بقوله: "قلنا: لعلّ الخلاف فيه" - أي: الفرق أن غلبة الخلاف في عصرنا تمنع قَبُوله، وهذا الفرق ضعيف؛ لأن غلبة الخِلَاف لا تُصَيّر المقبول مردودًا.
ثم قال: "أما إن كان من أئمة النّقل، ولا رِيبةَ تمنع قُبِلَ".
ولك أن تقول: قد يوجد في عَصْرنا مَنْ هو من أئمة النقل، ثم انتفاء الرّيبة إن حصل لكونه من أئمّة النقل، فقولكم: ولا رِيبَة تمنع حَشْوه، وإلا فيعود على مذهبكم بالتَّخصيص؛ لأنكم: قلتم: مرسل أئمة النقل، ولم تشترطوا انتفاء الرِّيبَة.
الشرح: ثم إن علماءنا "قالوا" ثالثًا: "لا يكون للإسناد معنى" لو قبل المُرْسل، بل يكون الإسناد تطويلًا بلا فائدة.
وهذا من معتمدات أصحابنا وهو حسن؛ فإن هذه الأمة خَصّها الله - تعالى - بالأسانيد وهو من محاسنها.
وما زال سلف الأمة يَتَطَلَّبونه، ويركبون القِفَارَ في تحصيله، ويسمون الأحاديث العارية عن الإسناد بَتْرًا.
ولقد جعل إسحاق بن أبي فَرْوَةَ يومًا يرسل ويقول: قال رسول الله ﷺ وعنده الزهري، فقال: قاتلك الله يا بن أبي فَرْوَةَ ما أَجْرَأَكَ على الله، ألا تُسْند حديثك؟!
قال حملة الشَّريعة: وترك الإسناد يذهب رُوَاء الحديث، وطَلَاوته وحَلَاوته.
وقال عبد اللَّهِ بن المُبَارك، وغيره من العلماء: الإسناد يزيّن الحديث.
وقال غيره الإسناد من الدِّين، لولا الإسناد لقال مَنْ شَاءَ ما شَاءَ.
(١) سقط في ب، ت.