مجرد كما لو يرد أصلًا، بل يجب النَّظر في ذلك وفيما يعارضه، أو يوافقه من بقيّة الأدّلة كالقياس وشبهه، فالعمل بما يترجّح من الظن. والله أعلم.
وأما قبول الشافعي المرسل إذا عضده صحابي، فلو صح عنه لم يوجب قولًا بالمرسل كما عرفت.
وأما إذا عضَده أكثر العلماء، فقد اعترضه القاضي بأنه إن أراد بالأكثر الأمة فهو الإجماع، والحجّة حينئذ فيه لا في المرسل، وإن أراد بعض الأمة، فقولها ليس بحُجّة، والكلام فيه كالكلام في اعتراضه الأوّل من التزام كلّ من الأمرين، ولا يرد ما ذكره.
وعبارة الشَّافعي في "الرسالة"، ولذلك (١) إن وُجد عَوَامّ من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما رووا عن رسول الله ﷺ.
وأما إذا عرف أنه لا يروى إلا عن عَدْلٍ، فلا يتجه إلا قبوله.
وقد نصّ عليه في "الرسالة"، ومرسلاته حينئذ مَسَانيد، فلا وَجْه لردّها، وهو كمن قال: إذا قلت لكم: قام زيدٌ فاعلموا أن عمرًا أخبرني، ثم قال: قام زيد، فهو ثانيًا مسند عن عمر، ومعنى بما مَهّده أولًا مسند لفظًا.
ولكنّا نقول: ينبغي أن يكون هذا فيمن عرف منه أن الذي يطوى ذكره ممن لا رَيْبَ في عدالته كالصّحابي، أو أنه رجل معروف في نفسه حيث طوى ذكره، فلا يقال علينا: جاز أن يكون عدلًا عنده غير عَدْل عندنا.
ومن هذا القَبِيل: سعيد بن المسيّب على ما ذكره طائفة من أئمّتنا، ذكروا أنه لا يرسل عن غير أبي هريرة، وأبو هريرة صَحَابي عَدْل رضا، فتكون مرسلات سعيد مَسَانيد وهذا في الغالب من حالة فإنَّ الخطيبَ الحافظَ أبا بكر وغيره من النقّادِ ذكروا أن له مَرَاسيل لم توجد مسندةً بحال من وجه يصح. ونحن قد قدمنا مرسله في دية الذمي، ورددناه بمثل هذا.
ومن هنا نتنبه لدقيقة، وهي أن الشَّافعي على القول بقَبُول مرسلات سعيد، لم يقبلها لكونه اعتبرها فوجدها مسانيد - كما يظنّه بعض الضعفاء، فإن ذلك يوهم أن الإسناد حاصل عنده في المُرْسل بعينه، ويكون حينئذ الاحتجاج به احتجاجًا بالمسند كما تقدم، بل لما كان
(١) في حاشية ج: قوله: وكذلك أي يتقوى مرسله بما ذكر، كما تقوى بما ذكره قبل في الرسالة. فانظره.