وأما القياس فإن كان قياسًا صحيحًا فهو حُجّة في نَفْسِهِ غير مفتقر إلى المرسل، ولا يصير المرسل حجّة.
كما لو اقترن بالقياس الصَّحيح قياس فاسد، وإن كان القياس لا يجوز التمسُّك به لو انفرد، فقد انضم ما ليس بحُجّة إلى ما ليس بحُجّة.
وغاية ما يتخيل أنَّ الشافعي لم يلاحظ في ذلك إلا قوّة الظَّن، فإن المرسل يثير ظنًّا ضعيفًا، وليس كالقياس الفاسد. وما لا يثير ظنًّا أَصلًا، فإذا اقترن المرسل المثير للظَّن - بأمر مقوّ للظَّن جاز أن ينتهي إلى حد يتمسّك به.
ثم ذلك الحدّ ليس مما يضبط بعبارة شاملةٍ، بل هو موكول إلى نظر المجتهد.
وها هنا تتفاوت رتب العُلَماء، ويفارق المجتهدون من سواهم من الجامدين على أمور كلّية يطردونها في كل وِرْد وصَدْر.
وإنما [جمد] على ذلك أكثر المتأخّرين؛ لبعدهم عن التكيُّف بِفَهْمِ نفس الشَّريعة، أو التمييز بين مَراتب الظُّنون، وما يقتضي نفس الشَّارع في اعتباره وإلغائه.
وهذه رُتْبة عزيزة سبق إليها المتقدمون، ولو حاول محاول ضبط ما يحصل من اجتماع تلك الأمور بالموازنة بينه وبين الظّن المستفاد من قياس صَحِيح من أوّل درجات القياس، أو خبر واحد فما سَاوَاه كذلك اعتبر، وما نقص ألغى لم يكن مبعدًا، لكنه ليس كمال المَعْنَى المشار إليه، بل هو غاية ما تحيط به العِبَارة لمن يَبْغى ضبط ذلك بقواعد كلية، ويؤتى الله - تعالى - وراء ذاك لبعض عباده ما يقصر عنه الوَهْم.
ومن جَدّ وجد، ومن ذَاقَ اعتقد، ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [سورة النور: ٤٠]. انتهى كلام الشيخ الإمام ﵀.
ولقد كان ﵁ كما وصف وأزيد، وقد تضمّن كلامه ما أشرت إليه من تأييد العمل بالمُرْسل في هذا الموضع؛ لانضمام ظنّ إلى ظنّ حصل بهما ظن متهيأ مثله في العمل بأوائل الأقيسة الصَّحيحة وخبر الواحد، وإياه أراد الشَّافعي إن شاء الله.
وما قدمناه عن المَاوَرْدِي والخطيب من [قول](١) الشَّافعي في الجديد في "كتاب