للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ، وَأُورِدَ مِثْلُهُ عَلَى الطَّلَبِ؛ لأِنَّ الْعَاقِلَ لَا يَطْلُبُ هَلَاكَ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَازِمٌ. والأَوْلَى لَوْ كَانَ إِرَادَة، لَوَقَعَتِ الْمَأمُورَاتُ كُلُّهَا؛ لأَنَّ مَعْنَى الإرَادَةِ تَخْصِيصُهُ بِحَالِ حُدُوثِهِ، فَإذَا لَمْ يُوجَدْ، لَمْ يَتَخَصَّصْ.

الشرح: وأما "المعتزلة" فإنهم "لما أنكروا كلام النَّفس"، وكان الطَّلب نوعًا منه لم يمكنهم أن يحدّوه به، فتارةً حدوه باعتبار اللفظ، وتارةً باقتران صفة الإرادة، وتارة جعلوه صفة الإرادة.

أما باعتبار اللفظ فإنهم "قالوا": الأمر "قول القائل لمن دونه: افعل ونحوه"، فقولهم: افعل لتبيّنوا أن المحدود عندهم اللساني.

وقولهم: ونحوه، ليتناول حَدَّ الأمر كسائر اللُّغَات.

"ويرد التّهديد وغيره" - كالتعجيز، والتسخير، وغيرهما - "المبلغ، والحاكي" - أمر غيره - "والأدنى" للأعلى؛ إذ لا يصدق عليه قول القائل لمن دونه.

والاعتراض الأول مُنْقدحٌ.

وقول من دفعه: المراد: افعل مرادًا به ما يتبادر منه عند الإطلاق [اعتبار] (١) لا يدفع الإيراد.

وأيضًا: فالخَصْمُ يمنع تبَادر الوجوب والندب وغيرهما على الاختلاف في أنه حقيقة في ماذا؟

وقد تَجَوَّز عنه الزَّمخشري في "الكشاف" (٢)؛ حيث قال في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ﴾ [سورة البقرة: الآية ٢٧]: إنه طلب الفعل ممّن هو دونه وبعثه عليه.

فإن قوله: وبعثه عليه يخرج التهديد، ويدل على اعتباره إرادة الامتثال، فلقد وَفَّى بقواعد أشياخه.

وأما المبلغ فقد يمنع وروده؛ إذ هو أمر؛ كما قال تعالى: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [سورة الأعراف: الآية ١٥٧].


(١) في ب: اعتناء.
(٢) ينظر: الكشاف (١/ ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>