للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَارُّ مِنَ الطَّرْدِ إِمَّا لأَنَّ النَّهْيَ طَلَبُ نَفْي، وَإمَّا للإلْزَامِ الْفَظِيعِ، وَإمَّا لأَنَّ أَمْرَ الإيجَابِ يَسْتَلْزِمُ الذَّمَّ عَلَى التَّرْكِ، وَهُوَ فِعْلٌ، فَاسْتلزمَ؛ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَالنَّهْيُ: طَلَبُ كَفَّ عَنْ فِعْلٍ؛ فَلَمْ يَسْتَلْزِمِ الآمْرَ؛ لأَنَّهُ طَلَبُ فِعْل لا كَفٍّ، وَإمَّا لإِبْطَالِ الْمُبَاحِ.

وتقريره: لو لم يتضمّن النهي الأمر لما وجب ما لا يتم الواجب إلا به؛ لأن المطلوب من النهي التلبُّس بالضدّ الذي هو الكَفّ، أو ضدّ أخصّ من الكف؛ لما مَرّ من أن المكلف به في النهي فعل، والكف والأخص منه ضدّان للنهي عنه جزمًا.

وإذا كان المكلف به أحدهما فهو المطلوب، فيكون النهي عن الشيء أمرًا بأحدهما، فلا يتمّ المطلوب من النهي إلا بأحدهما.

وقوله: "كالأمر" - يوهم أن هذا الدليل هنا [متقرّر] (١)؛ كما تقرر به في الأمر.

وليس كذلك؛ لأنه جعل الضدِّ في الأمر، إما الكَفّ، أو انتفاء الفعل، ولا يستقيم جعل الضد هنا انتفاء الفعل، فإنه لا تصحّ الملازمة حينئذ، إذ يكون النهي عن الشيء حينئذ أمرًا بضدّه؛ ولهذا جعل هذا من أَعْذَار الفَارّ من الطرد كما سيقول؛ وإما لأن النهي نفي.

"وأجيب بالإلزام الفظيع " - وهو وجوب الزِّنا؛ لكونه ترك اللِّواط مثلًا.

"وبألَّا مباح"، وقد عرفت ما فيهما.

الشرح: "الفَارّ من الطَّرْدِ إما" أن يكون فَرّ من ذلك، "لأن النهي طلب نفي "عنده - كما هو رأي أبي هاشم - فَلا يكون أمرًا بالضِّد؛ لتصوّر الإتيان به دونه، ولا كذلك الأمر؛ لأنه طلب فعل فلا يتصوّر إلا بالكَفّ عن ضدّه، أو بنفيه.

ولك أن تمنع أن النفي المحض لا يفتقر الإتيان به إلى فعل الضِّدّ؛ وهذا لأن المنهى عنه إن لم يكن له ضدّ فلا يكلّف به إلا على القول بتكليف المحال، وإن كان فلا نسلّم أن الإتيان بالنفي لا يفتقر إليه؛ وهذا لأن حالة عدم ذلك الفعل المَنْهِي عنه لا بد أن يكون متلبسًا فيها بضدّ من أضداده.


(١) في أ، ب، ج: تقرر.

<<  <  ج: ص:  >  >>