. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال: فإنه إما أن يكون ظاهرًا في الوجوب أو الندب، أو هو متردّد بينهما على وجه لا خروج له عنهما على اختلاف المذاهب، وحمله على التأكيد خلاف ما هو الظَّاهر من الأمر.
واعتمد المصنّف في "المختصر الكبير" هذا الجواب تبعًا للآمدي، واختار وجوب العمل بهما، ولم يذكر هذه المعارضة في "المختصر الكبير"؛ كأنه وضح له ضعفها.
ووجه ضعفها: أنه إنما يلزم مُخَالفة ظاهر الأمر لو حمل على غير مدلول الأمر، وحمله للتَّأكيد ليس حملًا له على غير مَدْلوله؛ وذلك لأن الأمر الثاني إذا حمل على التأكيد فالأول: إن كان للوجوب فالثاني كذلك، وإن كان للنَّدْب فالثَّاني كذلك، وهو حينئذ تابع للأول، فأين مخالفة الظاهر؟
فإن قلت: بل مخالفة الظَّاهر لازمة للتوكيد من جهة أن الأمر الثاني لمَّا لم يفد شيئًا مستأنفًا - صار كأنه خولف به مدلوله.
قلت: إن كان هذا المعنى بخلاف الطاهر، فهو بعينه الترجيح الأول، وهو ظهور فائدة التأسيس، فليس حينئذ ترجيحًا غير الترجيح الأول.
والقسم الثاني: أن يتعاطفا، وإليه أشار بقوله: "وفي المعطوف العمل أرجح"؛ لأن الترجيح بظهور التأسيس (١) ينضم إليه ترجيح آخر، وهو اقتضاء العَطف التغاير.
وهذا الذي اختاره المصنف أحد القولين في المسألة.
وذكر القاضي عبد الوَهَّاب المالكي: أنه الذي يجيء على أصول أصحابهم.
والثاني: الحمل على التأكيد، حكاه عبد الوَهَّاب.
ولم يفرق القاضي أبو بكر في "التقريب" بين حالة العطف وعدمها.
وهذا كله إذا لم يترجّح التأكيد.
"فإن رجح التأكيد بعادي" كما تقدّم - "قدم الأرجح، وإلا فالوقف"، للتكافؤ من [الجانبين] (٢). والله أعلم.
(١) التأسيس: عبارة عن إفادة معنى آخر لم يكن حاصلًا قبله، فالتأسيس خير من التأكيد؛ لأن حمل الكلام على الإفادة خير من حمله على الإعادة. ينظر تعريفات الجرجاني.
(٢) في أ: الحالتين.