للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


التسوية كقوله تعالى: ﴿اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا﴾.
التهديد كقول السيد لعبده: "لا تمتثل أمري".
الالتماس كقول الصديق لصديقه: "لا تبرح مكانك".
واتفقوا أيضًا على أن الصيغة إذا استعملت في غير الحرمة والكراهة من المحامل لا تكون حقيقة، فهي إذًا مجاز فيما عدا طلب الترك واقتضاءه.
وإنما وقع الخلاف بينهم في تحديد ما وضعت له هذه الصيغة على سبيل الحقيقة أهو الحرمة أم الكراهة أم كلاهما؟ فتكون مشتركة بينهما اشتراكًا لفظيًا. أم القدر المشترك بينهما وهو طلب الترك مع الجزم أو عدمه؟ فتكون مشتركة بينهما اشتراكًا معنويًا. أم متوقف فيه لا يدري أي المعنيين هو؟ وإليك هذه الأقوال وتفصيلها:
الأول: وهو ما يذهب إليه الإمام البيضاوي وصححه ابن الحاجب، وهو إذا وردت صيغة النهي وجودها ولو مرة ارتكاب المَنْهِيّ، فإذًا النهى حكمه التّكرَار بهذه الطريق، ولا حاجة مع ذكر الجمهور، وقال الرازي جازما بهذا المذهب: إنه الحق، وهو مذهب الشافعي ، نصّ عليه في "الرسالة" فقال في باب العلل في الأحاديث ما نصّه: "وما نهى عنه رسول الله فهو على التحريم حتى تأتي دلالة عنه على أنه أراد به غير التحريم" ونص عليه أيضًا في "الأم"، فقال: أصل النهى من رسول الله أن كل ما نهى عنه فهو مُحَرَّم، حتى تأتي عنه دلالة تدل على أنه إنما نهى عنه لمعنى غير التحريم، إما أراد به نهيًا عن بعض الأمور دون بعض، وإما أراد به النهي للتنزيه عن المنهى والأدب والاختيار، ولا يفرق بين نهي النبيّ إلا بدلالة عن رسول الله ، أو أمر لم يختلف فيه المسلمون: فنعلم أن المسلمين كلهم لا يجهلون سنة، وقد يمكن أن يجهلها بعضهم. فمما نهى عنه رسول الله ، فكان على التحريم لم يختلف أكثر العلماء فيه: أنه نهى عن الذهب بالورق إلا هاءَ وهاءَ، وعن الذهب بالذهب إلا مثلًا بمثل، يدًا بيد، ونهى عن بيعتين في بيعة".
الثاني: وإليه ذهب أبو هاشم، وعامة المعتزلة وجماعة من الفقهاء، وهو أن صيغة النهي حقيقة في الكراهة فقط.
"الثالث": أنها مشترك لفظي بين الحرمة والكراهة.
"الرابع" وهو منقول عن ابن منصور والماتريدي ومشايخ "سمرقند" أن صيغة الأمر موضوعة للقدر المشترك بينهما، وهو طلب ترك الفعل استعلاء؛ فهي من قبيل المتواطئ.
"الخامس": وهو مذهب الأشعري ومن تابعه من أصحابه كالقاضي والغزالي إلى التوقف في مدلول صيغة النهي، بمعنى لا يدري أهي موضوعة للحرمة أم الكراهة أم لكل منهما، أم للقدر المشترك بينها؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>