وذهب فريق ثالث من العلماء إلى التفرقة بين العبادات والمعاملات، فقال بدلالة النهي على بطلان العبادات، أما المعاملات فلا دلالة للنهي فيها على صحة أو فساد، بل يلتمس لصحتها أو فسادها أدلة أخرى غير النهي عنها، ومن الذاهبين إلى هذا الرأي الغزالي، والرازي، والكمال بن الهمام. "ثمرة هذا الخلاف" تتلخص الثمرة لهذا الخلاف بين الأصوليين في أن هذه التصرفات الشرعية من عبادات ومعاملات، والتي وضعها الشارع تعالى لثمرات مقصودة من شرعيتها مترتبة عليها إذا ما نهى عنها في بعض المواضع هل يبقى فيها هذا الوضع الشرعي، فتترتب عليها تلك الثمرات المطلوبة منها كالصلاة للثواب وتفريغ الذمة، والبيع للملك فتكون مشروعة مع النهي عنها، أو ارتفع عنها هذا الوضع الشرعي فأضحت لا تفيد ثمرتها فهي باطلة؟ ويستطيع الباحث إدراك القيمة العملية لهذه الثمرة بسهولة إذا ما تتبع أبواب الفقه المختلفة؛ إذ لا يكاد يجد بابًا منها خاليًا عن هذه المنهيات المتفق على تحريمها أو كراهتها، المختلف في بطلانها وصحتها. ما قاله شيخنا عبد المجيد محمد فتح الله: (١) تنوعت أراء العلماء فيما يفيده النهي في الشرعيات من أثر إلى ما يأتي: أولًا: ذهب جماهير الأصوليين من أصحاب الشافعي ومالك والحنابلة وجميع أهل الظَّاهر، وجماعة من المتكلمين، وهو ظاهر مذهب الشافعي إلى أن النهي المطلق عن الشرعيات يفيد قبحها لذاتها، وفسادها أي: عدم الاعتداد بها شرعًا، وعدم ترتب ثمراتها المقصودة منها عليها، وهو البطلان. وانقسموا إلى طائفتين: طائفة ترى أن دلالة النهي على البطلان من جهة اللغة، وطائفة ترى أن تلك الدلالة مستفادة من الشرع، وإليه ذهب الآمدي وابن الحاجب، سواء أكانت الشرعيات عبادات أم معاملات. ثانيًا: الطريق الثاني وهم جمهور الحنفية حيث ذهبوا إلى أن النهي المطلق عن الشرعيات عبادات ومعاملات لا يدل على بطلانها، بل يدل على صحتها ومشروعيتها بالأصل دون الوصف، فيصرفون النهي لغير ما أضيف إليه، وهو وصفه، ويطلقون على المنهى عنه اسم =