(١) استدل الجمهور على مدعاهم بأدلة خمسة: - "الأول" - "الإجماع": وبيانه أن العلماء في الأمصار والأعصار المختلفة لم يزالوا يستدلون على بطلان العبادات والمعاملات بالنهي عنها، وهذا إجماع منهم على أنه يدل على البطلان، وليست هذه الدلالة لغوية؛ إذ ليس مدلول النهي اللغوي سوى طلب ترك الفعل، وليس فيه إشعار بسلب الأحكام والثمرات وهو البطلان؛ فثبت أن الدلالة شرعية. "الثاني": أن النهي لطلب ترك الفعل، وهو إما أن يكون المقصود دعا الشارع إلى طلب الترك أو لا لمقصود، لا جائز أن يقال: إنه لا لمقصود. أما على أصول المعتزلة القائلين بوجوب الصلاح والأصلح عليه تعالى؛ فلأنه عبث، والعبث قبيح، والقبيح لا يصدر عن الشارع تعالى. وأما على أصول أهل السنة فإنهم وإن جوزوا خلو بعض أفعال الله تعالى عن الحكم والمقاصد، فهم يعتقدون أن الأحكام المشروعة لا تخلو عن حكمة ومصلحة راجعة إلى العبد، لكن بطريق الوقوع لا بحكم الوجوب؛ فالإجماع إذًا منعقد على امتناع خلو الأحكام الشرعية عن الحكم، سواء أظهرت لنا أم لم تظهر، وإذا بطل أن يكون نهي الشارع لا لمقصود، تعين أن يكون لمقصود دعاه للنهي عن الفعل. وإذا كان لمقصود، فلو صح التصرف وكان مستعقبًا لحكمه المقصود منه، فإمّا أن يكون مقصود النهي راجحًا على مقصود الصحة، أو مساويًا، أو مرجوحًا: لا جائز أن يكون مرجوحًا، إذ المرجوح لا يكون مقصودًا مطلوبًا في نظر العقلاء بله الشارع تعالى، وما لا يكون مقصودًا لا يرد طلب الترك لأجله، وإلّا كان الطلب خليًّا عن الحكمة، وهو ممتنع لما سبق. ولا جائز أن يكون مساويًا لمقصود الصحة؛ إذ لو كانت الحكمتان متساويتين لتعارضتا وتساقطتا، وكان فعله كتركه، فيمتنع النهي عنه لخلوه عن الحكمة حينئذ، فلم يبق إلّا أن يكون راجحًا على مقصود الصحة، ويلزم من ذلك امتناع الصحة، وامتناع انعقاد التصرف لإفادة أحكامه واستعقاب ثمراته، وإلا كان الحكم بالصحة خاليًا عن حكمة ومقصود ضرورة كونه مقصودها مرجوحًا على ما تقدم بيانه، وإثبات الحكم خليًا عن الحكمة في نفس الأمر ممتنع؛ لما فيه من مخالفة الإجماع. فثبت أن التصرف المنهى عنه لم يفد ثمراته ولم ينعقد، فكان باطلًا للنهي عنه، وهو المطلوب. "الثالث": قوله عليه الصلاة السلام: "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ" وجهة الدلالة ظاهرة. =