للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

اختلفوا في أنّه هل يدلّ على الصحة؟ وإن هذا دليل [قائلهم] (١) بالصِّحة - وعلى ذلك حمله الشَّارحون، ونقلوا ذلك عن أبي حَنِيفَةَ، ومحمد بن الحسن.

وفيه نظر، فإن القول بدلالة النَّهي عن الصِّحة لا يُعْرَف في قسم المَنْهِي لعينه، بل في المنهى لوصفه.

وقد صرَّح شمس الأئمة وغيره من الحنفية؛ بأنَّ المنهي لعينه غير مشروع أصلًا (٢)، وأن النهي فيه إخبار عن عدمه بدون محلّه، أو بدون شرطه، أو بدون سببه، ونحو ذلك، فيكون في الحقيقة نفيًا عبر بالمَنْهِيّ عنه مجازًا؛ بمنزلة قولك: لا رجل في الدَّار.

وكذلك نقل عنهم ابن السَّمعاني نقلًا [مجردًا] (٣)؛ لأنه كان من أئمة الحنفية قبل انتقاله إلى مذهبنا فقال: قال المعبرون عن طريقة أبي زيد: النَّهي المطلق نوعان: نهي عن الأفعال الحسّية (٤)؛ مثل الزنا، والقتل، والشرب، فيدلّ على قُبحها في نفسها لا في أعيانها، إلا أن يقوم دليلٌ على خلاف ذلك (٥).

ونهى عن التصرُّفات الشرعية؛ مثل: الصوم، والصلاة، والبيع فيقتضي قبحًا لمعنى في غير المنهي عنه، لكن متصلًا بالمنهي عنه فينتفي صفة المَشْرُوعية عن المنهي عنه من وجه مع تصوُّره في نفسه.


(١) في أ، ب، ج: قائليهم.
(٢) ينظر: كشف الأسرار ١/ ٢٥٨.
(٣) في أ، ب، ج: محررًا.
(٤) وهي ما لها تحقق حسي وليس لها تحقق شرعي، فالشارع لم يعتبره لأحكام مقصودة منه مرتبة عليه هي نعم وإن رتب عليه أحكامًا هي عقوبات وزواجر كالقتل، وشرب الخمر، والزنا، فإن الزنا مثلًا له تحقق حسِّي، وهو سفْح الماء في محل مُشتهى غير مملوك وليس له تحقق شرعي، لأن الشارع لم يعتبر له شرائط زائدة، ولم يرتِّب عليه أحكامًا شرعية هي نعم.
(٥) الأصل في النهي عن الفعل الحسِّي أن يقتضي قبحه وتحريمه لذاته باتفاق العلماء؛ إذ لم يقم دليل يدل على أن القبح والتحريم للغير المنفك، ذلك لأنه يقصد بالنهي عن الحسِّي المنع من إيجاده حسًا، وما ذلك إلا لقبح في ذاته الحسيَّة، إمَّا لقبح جميع الأجزاء، أو بعضها، وإذا كان الأصل في النهي المطلق عن الحسيَّات أن يقتضي ما ذكر، فلا يصرف عنه إلا لضرورة بأن يوجد معه دليل يدل على أن النهي عنه لغيره، فحينئذ يكون قبيحًا لغيره، فإن كان ذلك الغير وصفًا لازمًا فحكمه حكم القبيح لعينه، فهو ملحق به، إلَّا أن القبيح لعينه حرام لعينه، وهذا حرام لغيره، ولا يريدون بقولهم: إنه قبيح لعينه أن ذلك الفعل قبيح من حيث ذاته؛ لما عرف من مسألة الحسن والقبح أن حسن الشيء وقبحه إنما يكون لجهات يقع عليها، فالمراد منه أن =

<<  <  ج: ص:  >  >>