فتكون هذه التصرفات الحسيَّة المنهى عنها بالنهي المطلق، والتي أفاد النهي فيها قبحًا وتحريمًا ذاتيًا لقبح جميع الأجزاء، أو البعض أو لجهة لم يرجح عليها غيرها، كالزنا القبيح لما فيه من تضييع النسل واختلاط الأنساب. أو أفاد قبحها لوصفها اللازم غير مشروعة أصلًا لا بأصلها ولا بوصفها، فلا يترتب عليها حكم شرعي مطلوب للشارع، ولا تقبل حرمتها النسخ، بل هي جرائم دينية حرّم الشارع اقترافها والتلبس بها، ورتّب على ارتكابها أحكامًا هي عقوبات وزواجر رادعة لتمنع من التَّلبس بها، كالقصاص في القتل، والرجم والجلد في الزنا، والجلد في شرب الخمر. وإن دلَّ الدليل على أن النهي في الحسِّي لأمر خارج هو مُقارن منفك فلا يفيد النهي في هذه الحالة قبح الذات، بل يفيد القبح والتحريم لهذا المقارن المنفك، فيستتبع هذا التصرف حكمه الشرعي الذي رتَّبه عليه الشارع، كوطء الحائض نهى عنه بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾. ودلَّ الدليل الذي قبله، وهو قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ على أن النهي عن قربان الزوجة وهي حائض، إنما هو للمقارن المنفك، وهو الأذى، فإن وطئها في زمن الحيض ووجد الحبل يثبت النسب اتفاقًا، ولا يعدّ الوطء زنا وإن كان حرامًا. فتلخص أن النهي عن الحسيَّات متفق عليه بين جميع العلماء من حيث إفادته ما تدل عليه القرينة إن كان مقيدًا، وإفادته القبح الذاتي والبطلان إن كان مطلقًا. قاله شيخنا عبد المجيد محمد فتح الله. (١) سقط في أ، ج.