للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَنَا: أَنَّ فَسَادَهُ سَلْبُ أَحْكَامِهِ، وَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لُغَةً قَطْعًا.

وَأَمَّا كَوْنُهُ يَدُلُّ شَرْعًا؛ فلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ تَزَلْ تَسْتَدِلُّ عَلَى الْفَسَادِ بِالنَّهْيِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَالأَنْكِحَةِ وَغَيْرِهَا.

وَأَيْضًا: لَوْ لَمْ يَفْسَدْ، لَزِمَ مِنْ نَفْيِهِ حِكْمَةٌ لِلنَّهْيِ، وَمِنْ ثُبُوتِهِ حِكْمَةٌ، لِلصِّحَّةِ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا فِي التَّسَاوِي وَمَرْجُوحِيَّةِ النَّهْيِ، وَيَمْتَنِعُ الْنَّهْيُ لِخُلُوِّهِ عَنِ الْحِكْمَةِ، وَفِي رُجْحَانِ الْنَّهْيِ تَمْتَنِعُ الصِّحَّةُ لِذَلِكَ.

الشرح: "لنا": على أن النهي لا يقتضي الفَسَاد لغةً، ويقتضيه شرعًا "أن فساده" (١) معناه: "سلب أَحْكامه"، "وليس في اللَّفظ" - لفظ النهي - "ما يدلُّ عليه لغة قطعًا" - لا بالمُطَابقة، لأن الصيغة إنما وضعت للزَّجْرِ، لا لسلب الأحكام، ولا بالتضمن؛ لأن سلب


(١) استدلوا بالسنة والإجماع والمعقول: -
"أَمَّا السُّنة" فقوله : "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رَدّ". وفي رواية: "من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو ردّ" ففيه دلالة على أن الفعل المنهى عنه مردود، ولا شك أن المردود من أفعال العباد ليس بصحيح ولا مقبول، فالفعل المنهى عنه إذًا ليس بصحيح فهو باطل، "دليل الصغرى" أن الفعل المنهى عنه ليس بمأمور به ولا هو من الدين، فيكون مردودًا بنص الحديث. والكبرى واضحة.
"ونوقش" هذا الدليل بثلاثة أوجه: -
أحدها: وهو من قبل الحنفية: لا نسلم أن الفعل المنهى عنه المأتى به من حيث كونه سببًا لترتب أحكامه عليه، ليس من الدين فلا يكون مردودًا؛ فنمنع صغرى الدليل.
وثانيها: وهو من قبل الحنفية أيضًا - أنا لو سلمنا الصغرى نقول: إنه لا يلزم من كون الفعل المنهى عنه المأتى به مردودًا ألّا يكون سببًا لتترتب أحكامه عليه، بل هو محل النزاع، فالمراد من كونه مردودًا أنه غير مقبول طاعة، أي غير مثاب عليه، ونحن نقول به، ولا يلزم منه سلب الأحكام والثمرات، فكلية الكبرى ممنوعة.
ثالثها: وهو من قبل الجمهور: نسلم أن الحديث يفيد أن النهي يدل على بطلان المنهى عنه، ولكن نمنع أن تكون هذه الدلالة بمقتضى النهي لغة، بل هي مأخوذة من قوله : "فهو ردّ" فالدلالة شرعية لا لغوية.
"وأمَّا الإجماع" فبيانه: أن الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - استدلوا على بطلان العقود وجميع التصرفات الشرعية الباطلة بالنهي عنها، فمن ذلك احتجاج ابن عمر

<<  <  ج: ص:  >  >>