للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

بلفظ "نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس … الحديث" يتبين من هذا أن الأوقات التي جاءت الأحاديث بالنهي عن الصلاة فيها خمسة:

عند طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح أو رمحين، ويستدلى سلطانها بظهور شعاعها، وعند استوائها حتى تزول، وعند اصفرارها حتى يتم غروبها "الرابع" بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس. "والخامس" بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

فقال الحنفية: إن النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة الأولى قد أفاد فيها كراهة التحريم؛ لأن النهي ظني الثبوت ولم يصرفه عن مقتضاه صارف؛ وفرّعوا على ذلك أن قضاء الفرائض والواجبات لا يصح في هذه الأوقات، ولا يصح الصبح إن طلعت عليه الشمس وهو يصليه؛ بخلاف عصر اليوم إن بدأ فيه قبل مغيب الشمس فغابت وهو يصليه إذ يصح مع الكراهة، بخلاف النوافل فإنه يصح الشروع فيها في هذه الأوقات، غير أنه ينبغي أن يقطعها، فإن قطعها وجب عليه القضاء في وقت غير مكروه، وإن أتمها أجزأه مع الكراهة. وقالوا إن عدم صحة الفرائض في هذه الأوقات ليس ناشئًا من كراهة التحريم وحدها، بل لأنها في الصلاة لما كانت لنقصان في الوقت منعت أن يصح فيه ما تسبب عن وقت لا نقص فيه؛ إذ لا يتأدى ما وجب كاملًا بالناقص، وذلك أن حديث مالك المتقدم في الموطأ أفاد كون المنع لما اتصل بالوقت مما يستلزم كون فعل الأركان فيه تشبهًا بعبادة الكفار، وهذا هو المراد بنقصان الوقت، وإلا فالوقت في ذاته لا نقص فيه، بل هو وقت كسائر الأوقات، وإنما النقص في الأركان المقومة للحقيقة، فلا يتأدى بها ما وجب كاملًا، ولكون الوقت نفسه لا نقص فيه لو أسلم الكافر، أو بلغ الصبي، أو أفاق المجنون في الجزء المكروه فلم يؤد الفرض حتى خرج الوقت، فإن السبب في حقهم لا يمكن جعله كل الوقت حين خرج؛ إذ لم يدركوا مع الأهلية إلا ذلك الجزء، فليس السبب في حقهم إلا إياه، ومع هذا لو قضوا في وقت مكروه لا يجوز؛ لأن الثابت في ذمتهم كامل لا نقص فيه؛ إذ لا نقص في نفس الوقت، بل المفعول فيه يقع ناقصًا، غير أن تحمل ذلك النقص لو أدى فيه العصر ضروري، وهو في نفسه كامل، فيثبت في ذمته كذلك، فلا يخرج عن عهدته إلا بكامل. وكذلك لا تصح سجدة التلاوة، ولا صلاة الجنازة في الوقت المكروه إذا حصل سببهما في وقت غير مكروه، أما إذا وجد السبب في وقت مكروه فإنها تصح فيه ويصح قضاؤها في مثله، وذلك لأنه عند التلاوة مثلًا يخاطب بالأداء موسعًا، ومن ضرورته تحمل ما يلزمه من النقص لو أدى عندها، بخلاف ما إذا تليت في وقت غير منهى عنه فإن الخطاب لم يتوجه بأدائها في وقت مكروه، فلا يجوز قضاؤها في مكروه، وكذا لو قضى في الوقت المكروه ما قطعه من النفل المشروع فيه في وقت مكروه، فإنه يخرجه عن العهدة وإن كان آثمًا؛ لأن وجوبه ضرورة صيانة المؤدي عن البطلان ليس غير، والصون عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>