للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلاميَّ بصفةٍ عامَّة، وأصولِ الفِقْهِ بصفةٍ خاصَّةٍ.

إن المتَتبِّع لهذه القضيَّة قديمًا وحديثًا يُدْرِك - بلا عَنَاء - أن لهذه القضية أصولًا تَضْرِب بجذورها إلى أوائل هذا القرن الحالي، وكان حَامِلُ لواء هذه الدَّعْوَةِ مدرسة القَضاء الشرعيِّ ودارِ العُلُوم.

كما أن متتبِّع هذه القضية يُدْرِك أنَّها اتَّخذت صورًا متعدِّدة، فالبَعْض دعا إلى التَّجْدِيد من ناحيةِ الشَّكْل، والبعضُ دعا إلى تجديد المضمون وذلك بإضافةِ أشياء جديدةٍ بتغيير الهَيْكَل … إلى آخر هذه القضايا والأبحاث الَّتي تَدْعو إلى تَعْميق البَحْث، وتَوْسِيع المَجَالِ والاسْتِخدام.

لَقَدْ ظَهَرت الدَّعْوَةُ إلى تَجْديد العُلُوم بصفة عامَّةٍ منذ زَمَن بعيدٍ على يَدِ رِفَاعة الطَّهطاويِّ الذي دعا إلى التجْدِيد والاجتهاد، ونبذ التَّقْلِيد والاتِّباع، وكان ذلك واضِحًا بصُورةٍ ملحوظةٍ في مقالاته وكتبه، وبخاصَّةً كتابُه: "القولُ السَّدِيد في التَّجْدِيدِ والتَّقْلِيد" وقدِ ارتبطتْ لفظة "التَّجْدِيد" بكثيرٍ من الملابسات والشُّكوك، لا سيما وقد ارتبطَتْ هذه الدَّعوة بمحاولات بعْضِ المستغربين العَرَب طَمْسِ هُوِيَّتنا الإسلاميَّة، وتغْيِير معالِمِ حضارَتِنا العربية. ولا نعدو الحقيقة، إذا قُلْنا: إنَّ هذا اللَّوْن من التَّجديد مرفوضٌ أو كما يقول د. يوسف القرضاويّ: "إنه تبْدِيدٌ لا تَجْدِيد" (١).

وسنَعْرِض الآن لِبَعْضِ الاتِّجاهاتِ والرُّؤَى الَّتي أبْرَرتْ دعاواها في قضيَّة "تجديد الأصول" وذلك بشَىْء مِنَ الإيجاز.

أولًا: اتِّجاهٌ يَدْعُو إلى التَّجْديد من ناحِيَةِ الشَّكْل أيْ تجديد الأسْلُوب بطريقةٍ فيها شَيْءٌ من البساطة مع تَجْدِيد طريقةِ العَرْض، ليلْقَى أُصُولُ الفِقه قَبُولًا حَسَنًا لَدَى مُتَلَقِّيه.

وعلى رأْسِ هذا الاتِّجاه الشَّيخُ محمَّد الخضريُّ حيثُ ألْمَح في آخر كتابِهِ "تاريخ التَّشْرِيعِ الإسْلاميِّ" إلى أن التَّدريسَ بطريق المتون والحواشي لا يُجْدِي شيئًا، ويجعل الفَرْق بين التلْمِيذ والمُدرِّس هو كثرة الفُرُوع أو قِلَّتَها" يقول: "أما عِنْدَنا فإنَّ المبتدئَ والمنتهى (٢) لا فرق بينهما إلا كثرةُ المسائِلِ وقلَّتُها" (٣).


(١) انظر: كتاب بينات الحل الإسلامي د. يوسف القرضاوي.
(٢) أي: في المسائل الفقهية.
(٣) ينظر: تاريخ التشريع الإسلامي ص ٢٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>