للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

والناظر فيما نقلناه - وإن جزم بوقوع الخلاف في العقود والعبادات - فلذلك يظهر عنده أن المرجّح عند أصحابنا أنها موضوعة للصحيح فقط، وربما اعتضد بأن الحالف لا يبيع ونحوه، لا يحنث إلا بالصحيح، وأن الوكيل بالبيع لو باع فاسدًا كان له أن يبيع بعد ذلك، وأن النكاح الذي يتوقف عليه حلّ المطلقة ثلاثًا هو الصحيح في أصحّ القولين.

وأنا أقول: هنا شيئان.

أحدهما: أن موضوع اللَّفظ الشَّرعي ماذا؟

وهذا لم يتكلّم فيه الفقهاء، وهو موضوع كلام الأصوليين.

وعندي: أنه الأعمُّ من الصَّحيح والفاسد، ويدلّ له أمور:

منها: أن اللَّفظ محمولٌ على الشَّرعي مع أن النهي لا يقتضي الصِّحة كما عرفت.

ومنها: قولهم في نحو: "لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطُهُورٍ": تعذّر نفي الحقيقة، فيكون نفيًا للصحة، لأنه أقرب الأشياء إليها، فلو لم يجزموا بِوِجْدَانِ الحقيقة، لما قالوا: تعذّر نفيها.

ومنها: قولهم: هذه صلاةٌ فاسدةٌ، وهذه صلاةٌ صحيحةٌ، فدلّ على أنّ الصِّحة والفساد وَصْفَان يَعْتَورانها مع بَقَاءِ حقيقتهما.

ومنها: تسميتهم العِبَادات الَّتي تقدمها أداء مختل إعادة، فلو لم يوجد الاسم في الأول، لما صحّت تسميتها إعادة.

ولكن الفقهاء لم يقولوا هذا، وإنّما قاله الأصوليون؛ كما عَرّفناك في موضعه.

والثَّاني: أن اللَّفظ إذا أطلق على أي الأمرين يجمل الأعم أو الأخصّ.

هذا لم يتكلّم (١) فيه الأصوليون، وهو موضع كلام الفُقَهاء.

وعندي: أنهم اختلفوا فيه على الوَجْهِ الذي رأيته.

فمن قائل بالمَشْيِ على موضوعه.

ومن قائل بالحَمْلِ على الصَّحيح، وهو الأصحّ عندهم؛ لأن الذهن إنما ينصرف عند


(١) في ب: هذا إذا لم يتكلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>