للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتِّجاه يَدْعُو إلى التحرُّر من النُّصُوصِ والانْسِلاخِ مِنَ المَدْلُولاتِ الَّتي تَعَارَفَ عَلَيْهَا النَّاسُ على أساسِ اللُّغة، وذلك في سَبِيل الوُصُول لإخْراج النُّصُوص الإسَلاميَّه عَنْ كلِّ مَعْنىً مألوفٍ، ورَذَ كلِّ مَعْنىً لغويٍّ شائعٍ لا يعرفه أصولُ الفِقْه، ويُمثِّل هذا الاتِّجاه سعيدٌ العشماويُّ، وحُسَيْن أحمد أمين، وحَسَن حَنَفِيّ.

وهذا الاتجاه مرفوضٌ - بلا شكّ - لمخالفته ما تعارَفَ عليه المُسْلِمُون في دِينهم، ولتَفْرِيقه بَيْن السُّنَّة والشَّرِيعة، ومحاوَلَة الانْسِلاخ من التُّراث الإسلامي. وبعد هذا العَرْض المُوجَز والسَّريع لِبَعْض الاتِّجاهاتِ البَارزة الَّتي دعَتْ لتجديد أصول الفِقْه، وعَرْضِ أفكار كلِّ اتجاهٍ وفَلْسَفَتِه وبَعْض قادته الَّذين انْدَرَجُوا تَحْتَه - نتعرَّض إلى التَّجْديد الحقيقي الَّذي يَنْشُدُه الإسلام ويَدْعُو إلَيْه، بل يرَى الإسْلام أن مثل هذا التَّجديد البَنَّاء واجبٌ ومطلوبٌ؛ لكي يظل صَرْح التُّراثِ الإسلاميِّ شامخًا أبد الدَّهْر، إنَّ الإسلام في كثير من نصوصِهِ يَحْرِص على التَّجْدِيد بَلْ يَدْعُو إليه، رُوِيَ عن أبي هُرَيْرة عن أنَّه قال: "إن الله يَبْعَثُ لِهذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دينَهَا" (١). ويَدْعُو إلى تَجْدِيدِ الإيمانِ، رُوِيَ عن عَبْد الله بْنِ عَمْرٍو أن النبيّ قال: "إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أحَدِكُمْ، كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الخَلِق، فَاسْألوا الله أَنْ يُجَدِّدَ الإِيمانَ في قُلُوبِكُمْ" (٢) فما دام الشارعُ الحَكِيمُ قد حَضَّ عَلَى تَجْدِيد الإيمَانِ، وتَجْدِيد الدِّين نَفْسِه، فلا حَرَج عَلَيْنا من تَجْدِيد أُصُول الفِقْه. بِمَا يَرْتَفِع وشَأْنَ هذا العِلْم العَرِيق. ومن ناحيةٍ أخرى فإن علومَ الفِقْه، وعِلْمَ الكَلام، وعِلْمَ التَّصوُّف قابلةٌ للتَّجْدِيد، ومحتاجةٌ إلَيْه، فَلِمَ لا يَدْخُل عِلْمُ أصولِ الفِقْه في إطارِ هذِه الدَّائرة، ويكونُ قابلًا للتَّجديد والتَّطْوِير؟.

ويدْعو د. يوسفُ القرضاويُّ إلى التَجْديد في عِلْم أُصُول الفِقْه، ويَلْفِتُ نَظَرنا إلَى أن أهمَّ جوانبِ التَّجْديدِ المَنْشُودِ في الفِقْه هو إحياءُ "الاجْتِهَادِ" (٣) بَعْدما شَاعَ في وَقْتٍ ما أن باب الاجتهاد أُغلِق، وهذا الاجتهادُ الذي يَدْعُو إليه د. يوسُفُ القَرَضَاوِيُّ هو اجْتِهادٌ قويٌّ


(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٥١٢) كتاب الملاحم: باب ما يذكر في قرن المائة حديث (٤٢٩١) والحاكم (٤/ ٥٢٢) من حديث أبي هريرة. قال المناوي في "فيض القدير" (٢/ ٢٨٢) قال الزين العراقي: وسنده صحيح.
(٢) أخرجه الحاكم (١/ ٤) من حديث عبد الله بن عمرو وقال: هذا حديث لم يخرج في الصحيحين ورواته ثقات وذكره الهيثمي في المجمع (١/ ٥٧) وقال: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.
(٣) ينظر: الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد د. يوسف القرضاوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>