الثاني: أن الإرادة في الأول لا يشترط مقارنتها لأول اللفظ، ولا يجوز تأخيرها عنه كما تقدم، بل الشرط فيها أنها إذا لم توجد في أوله لا بد وأن تكون في أثنائه، نظير ما قاله الققهاء في مشيئة الطلاق من اقتران النية ببعض اللفظ قبل فراغه، وإنما كان الشرط كذلك؛ لأنها تشبه الاستثناء من جهة أن كُلًّا منهما به الإخراج، والمخصص في الحقيقة إنما هو تلك الإرادة، والمخصصات متصلة ومنفصلة دالة على تلك الإرادة، لكن لا تشبه الاستثناء من جهة أن النية فيه شرط لاعتبار الاستثناء بعده، وليست مؤثرة، بخلاف الإرادة في التخصيص؛ فإنها مؤثرة في الإخراج وحدها، وتدل عليها تارة بمخصص متصل، وأخرى بمنفصل، أما الإرادة في الثاني، فيشترط مقارنتها لأول اللفظ، ولا يكفي طريانها في أئنائه حيث إن المقصود بها نقل اللفظ من معناه إلى غيره، واستعماله فيما لم يوضع له، ونظير ذلك ما قاله الفقهاء في تكبيرة الإحرام، وفي كنايات الطلاق، والنية فيه مؤثرة في نقل اللفظ من معناه إلى غيره. الثالث: أن العام المخصوص لا يصلح الحكم عليه في الظاهر ابتداء بأنه مجاز على القطع، بل التردد في ذلك حاصل، ومنشؤه أن إرادة إخراج بعض المدلول توجب تغير الاستعمال، وتصير اللفظ مستعملًا في الغير أولًا. الحق هو مما يقوى أنه حقيقة لكن الأكثر على أنه مجاز، وحجتهم أن اللفظ موضوع ليستعمل في معناه بتمامه غير مخرج منه شيء، فمتى استعمل مخرجا منه شيء كان مجازًا؛ لحصول الاستعمال على غير الوجه الذي وضعه الواضع، إلا أن هذا مدفوع بأن ما وراء المخصوص يتناوله الكلام على أنه كلٌّ لا بعض؛ لأن صيغة العموم تتناول الثلاثة مثلًا، كما تتناول المائة والألف، والأكثر من ذلك، أما العام الذي أريد به الخصوص، فإنه يصح الحكم عليه في الظاهر ابتداء بأنه مجاز قطعًا، حيث إنه لفظ مستعمل في بعض مدلوله، وبعض الشيء غيره. (١) ينظر: المحصول ١/ ٣/ ٢٢، والمستصفى ٢/ ٥٧، والمنخول (١٥٣)، والمعتمد ١/ ٢٨٦، وشرح الكوكب المنير ٣/ ١٦٢، والتبصرة (١٨٧)، واللمع (٢٧). والإحكام للآمدي ٢/ ٢١٣، والمنتهى (٨٧)، والعدة ٢/ ٥٣٩، والمسودة (١١٦)، وشرح العضد ١/ ١٠٨، وجمع الجوامع ٢/ ٧، وكشف الأسرار ٢/ ٣٠٧، وأصول السرخسي ١/ ١٤٤، وتيسير التحرير ١/ ٣١٣، وفواتح الرحموت ١/ ٣٠٨، ونشر البنود ١/ ٢٤٠، وإرشاد الفحول ص ١٣٧، ومنتهى السول ٢/ ٢٧، وشرح التنقيح (٢٢٧)، وفتح الغفار ١/ ٩٠، والإبهاج ٢/ ١٤٣، والتمهيد لأبي الخطاب ٢/ ١٤٢، وتقريب الوصول (٧٩).