ووجه الدلالة من هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قال: ﴿خَالِصَةً لَكَ﴾ فدل ذلك على أن الانعقاد بلفظ الهبة من خصوصياته ﷺ. وأما السنة فما روى أن النبي ﵊ قال: "واتَّقُوا الله في النساءِ؛ فَإِنَّكم أَخَذتُمُوهُنَّ بأمانَة اللَّهِ؛ واسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُن بِكَلِمَةِ اللَّهِ". ووجه الدلالة من الحديث أَنهم قالوا: إن الكلمة التي أحل الله بها الفروج في كتابه إنما هي الإنكاح والتزويج فقط، أخذًا من الكتاب والسنة بالاستقراء دون الهبة. وأما المعقول فقد قالوا فيه: إن الهبة من ألفاظ الطلاق حتى أنه ليقع الطلاق بقوله لزوجته: وهبتك لأهلك، فلا يكون موجبًا لضده. وقد نوقشت هذه الأدلة بما يأتي: أما الآية فقد قيل لهم فيها: إن قوله تعالى: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ليس معناه أن انعقاد النكاح بلفظ الهبة مختص به ﷺ، بل المراد أن الاختصاص والخلوص في سقوط المهر خاص به ﷺ، ويؤيد هذا المراد أمور: الامر الأول: - أنها مقابلة بمن آتى مهرها في قوله: ﴿إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ﴾، إلى قوله: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً﴾. الأمر الثاني: أن الله تعالى قال: ﴿لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ﴾، ومن المعلوم أنه لا حرج يلحقه في نفس العبارة، وإنما الحرج بلزوم المهر دون لفظ التزويج. الأمر الثالث: - أن الله ﷾ امتن على نبيه بقوله: ﴿خَالِصَةً لَكَ﴾ والمنة إنما تظهر بنفى المهر لا بإقامة لفظ مقام لفظ. ويقال لهم في الحديث: إن قولكم إن الكلمة التي أحل الله بها الفروج في كتابه هي لفظ الإنكاح والتزويج فقط - غير مسلم، بل جاء لفظ الهبة أيضًا في الكتاب العزيز قال تعالى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً﴾، الآية، وقد بينا أن الخلوص في الآية راجع إلى إسقاط المهر. ويقال لهم في المعقول: إن قولكم: إن الهبة من الفاظ الطلاق، فلا يكون موجبًا لضده - منتقض بقول الرجل لزوجته: تزوجي؛ فإن الفرقة تقع به إن نوى به الطلاق. واستدل المالكية والحنفية على انعقاد النكاح بلفظ الهبة بنفس الآية التي استدل بها الشافعية ووجه الدلالة منها أنهم قالوا: إن هذا اللفظ انعقد به نكاح النبيّ ﷺ، فوجب أن ينعقد به نكاح أمته، كلفظ الإنكاح والتزويج. (١) ينظر: البرهان ١/ ٣٧٠، والمستصفى ٢/ ٦٥، ٨٤، وشرح العضد ٢/ ١٢٣، والإحكام للآمدي=