والثاني: مفرد، وهو سبعة، وذلك "كاسمين: مركب ومفرد"، فاللفظ بجملته عبارة عما بقى بعد الاستثناء، وتكون زيادة شيء آخر في الكلام تصيره موضوعًا لمعنى آخر كما تقول:"زيد" فيكون للواحد، فتزيد الواو والنون، فيصير للجمع.
وقصد بهذا أن يفرق بين التخصيص بدليل متّصل؛ فيكون الباقى فيه حقيقة، أو منفصل؛ فيكون تناول اللفظ الباقي مجازًا.
والحاصل: أن الاستثناء من عدد معلوم، وهل يكون لقرينة غيرت حكم الصيغة، أو لقرينة لم تغير وضع الصيغة، وإنما كشفت عن المراد بها؟.
فمن رأى أسماء الأعداد كالنصوص التي لا تحتمل سوى ما يفهم منها، جعل الاستثناء قرينة مقالية غيرت حكم الصيغة في دلالتها، ورأى المستثنى والمستثنى منه كالكلمة الواحدة الدَّالة على عدد ما، ويكون الاستثناء كجزء من أجزاء هذه الكلمة، فمجموع الاستثناء والمستثنى منه هو الدَّالّ على العدد المنفى، ويرى هذا أنْ لا فرق بين سبعة وعشرة إلَّا ثلاثة، فإنّ سبعة تدلّ على عدد مخصوص، ولكنها تركبت من حروف أربعة لو ذهب منها أحد أجزاءها الأصْليّة، وهو حرف العين مثلًا كان ما بقى غير دالّ.
وكذلك:"عشرة إلَّا ثلاثة" يجري هذا المجرى في كون الكلمتين - الاستثناء والمستثنى منه - يدلّان على السبعة، وصار قوله: إلّا ثلاثة كأحد حروف سبعة، ولا يكون لقولنا: إلا ثلاثة كالبيان كقولنا: عشرة.
والفرقة الأولى رأوا أن الكلمة الدَّالة على عدد - كالعشرة مثلًا - ربما نطق بها فيما دونه، فلا يجعلونها نصًّا في مدلوله، بل يسلكون بها مسلك اللَّفْظ العام في الدّلالة على أفراده ظاهرًا، ويرون الاستثناء قرينة لفظية دالّة على المقصود باللَّفظ المستثنى منه، كما يدل قوله:"لا تَقْتُلُوا الرُّهْبَانَ"، على المراد بقوله:"اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ"، ولم يقدروا أن قوله:"لا تقتلوا الرهبان" مع قوله: "اقتلوا المشركين" كالكلمة الواحدة.
وقد ذهب إمام الحرمين إلى رأي القاضي، واستنكر قول الأولين، وقال: إنه محال لا يعتقده لَبِيبٌ.
وأنا أرى أن [أحكي](١) عبارة القاضي؛ لتكون على ثِقَةٍ مما حكيناه.