للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومثال العود إلى الأخيرة جزمًا دون الأولى، وفي المتوسطة خلاف آية القَذْف؛ فإن قوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ بعد قوله: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة النور: الآية ٤] عائد إلى الفاسقين قطعًا غير عائد إلى الجَلْدِ قطعًا، إلا على رأي الشعبي، وهو مذهب شاذ، وقول قديم عندنا، وفي قَبُول الشهادة الخلاف بين الإمامين.

وإذا عرفت أن موضع الخلاف ما إذا أمكن العود إلى الجميع، فاعلم أن المفصِّلينَ وإن تفرقوا شُعُوبًا (١) وقبائل، فقد يخيل كل منهم في مكان تفصيله قرينة فتبعها، ولا شك أن من القرائن ما هو ظاهر، فلا ينبغي أن ينازع فيه، ويكون ما أتى به خارجًا عن محل النزاع حيث لا يقوم دليل مخصّص.

ومنها ما لا يظهر فيكون النزاع فيه عائدًا إلى أنه هل هو قرينة أو لا؟.

فإذن الأقوال ثلاثة فقط كما قدمته.

وأما التفاصيل فمنها رأي أبي الحسين ورأي المصنّف، وقد عرفتهما، ويرجع اختيار المصنف إلى الوقف؛ لأن القائل به إنما يقول به عند عدم القَرِينَةِ، ووجه ما اختاره ظاهر، وهو أن الاتصال يجعلها كالواحدة، والانفصال يجعلها كالأجنبية، والإشكال يوجب الشك.

ومنها: رأي إمام الحرمين، وقد قارب فيه مسلك الوَاقِفِيَّة، وحاصله:

أن الجمل المتقدمة إن كانت مناسبة، والغرض فيها كالمتحد نحو: حبست داري على عُمُومتي، ووقفت بُسْتاني على أخوالي، وسَبِلْتُ سِقَايتي لجيراني إلَّا أن يسافروا، فهذا يتوقّف فيه، ولا يظهر اختصاص الأخيرة، ولا اشتراك الكل، وإن اختلفت المقاصد نحو: أكرم العلماء واحبس ديارك على أقاربك وأعتق عبيدك إلا الفَسَقَة منهم، فالظاهرُ منه اختصاص الاستثناء بالأخيرة.

وزعم أن "الواو" في مثل هذا الموضع لاسْتِرْسَالِ الكلام وحسن نَظْمه، ولا يكون للعطف، وأنت تراه في إحدى الحالتين أخرج "الواو" عن كونها عاطفة، وإن ثبت له هذا لم يكن من محل النزاع؛ لأن الكلام في العاطفة، فهو من الواقفية.


(١) في حاشية ج: قوله: "شعوبًا" الشعب بفتح الشين: الجيل من الناس، وبكسرها الطريق بين الجبلين، لسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>