للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُجِيبَ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْغَرَضَ الْمُبَالَغَةُ بِذَلِكَ.

وَالآخَرُ: أنَّهُ آكَدُهَا، والْقَوْلُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَعِيدٌ، لأَنَّهُ مُفَرَّغٌ، وَكُلُّ مُفَرَّغٍ مُتَّصِلٌ؛ لأَنَّهُ مِنْ تَمَامِهِ".

فإن تقديره: أن الصلاة لا صفة لها من الصفات المعتبرة إلا الطهور، فلو كان الاستثناء من النفي إثباتًا، لزم من حصول الطهارة فقط حصول الصلاة.

"وفي مثل" قولك: "ما زيدٌ إلا قائم"؛ فإن تقديره أن زيدًا لزم من حصول قيام زيد حصول جميع صفات زيد في كونه زيدًا، وهذا موضع الإشكال؛ "إذ لا يستقيم نفي جميع الصِّفات المعتبرة"؛ لوقوع إجماع أكثر الأوصاف، كما أنْ الصَّلاة عند عدم الطَّهارة يجوز اجتماع السّتر والاستقبال وغيرهما من الأوصاف المعتبرة فيها، وكذلك زيد عند انتفاء القيام؛ فإنه إنسان، وحيّ، وموجود، وغير ذلك.

واعلم أن المصنف أراد بقوله في مثله مثل: لا صلاة إلا بطهور فقط، ولم يرد مثل: لا علم إلا بِحَيَاةٍ، ولذلك أخذ بعد أن مثل باللفظين يتحدّث في: لا صلاة إلا بطهور فقط حيث قال: فإن اختار تقدير: لا صلاة إلى آخره.

والسّر فيه أن هذا الإشكال لا يرد على قولنا: لا علم إلا بحياة؛ لوجوب انتفاء جميع الصفات المعتبرة في العلم عند انتفاء الحياة، ولذلك جعلنا الضَّمير في مثله عائدًا إلى أحد المثالين، وهو: لا صلاة إلا بطهور، وفيه كان حديث المصنف كما عرفت.

الشرح: "وأجيب" عن هذا الإشكال "بأمرين":

"أحدهما: أن الغرض" من إدْخَالِ حرف النفي في مثل: لا صَلاة إلا بطهور، وما زيد إلا قائم "المبالغة بذلك" دون حقيقة نفي الصفات.

"والآخر: أنه" أي أن ذلك الوصف "آكَدُهَا" أي آكَدُ الصفات المعتبرة، وأجدرها بالاعتناء.

وهذا البحث كلّه على تقدير رَدِّ هذا الاستثناء إلى الاتِّصال، وهو القريب، "والقول بأنه منقطع بعيد؛ لأنه" استثناء "مفرغ متّصل؛ لأنه" بالنسبة إلى الأول "من تمامه"، ولذلك لا يجيز النَّحوي نصبه، ولا يقدر الأصولي فيه إلَّا بقدر الضرورة، ولا كذلك المنقطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>