قَالُوا: لَوْ كَانَ تَخْصِيصًا، لَصَحَّتِ الإِرَادَةُ لُغَةً.
قُلْنَا: التَّخْصِيصُ لِلْمُفْرَدِ، وَمَا نُسِبَ إِلَيْهِ: مَانِعٌ هُنَا، وَهُوَ مَعْنَى التَّخْصِيصِ.
قَالُوا: لَوْ كَانَ مُخَصِّصًا، لَكَانَ مُتَأخِّرًا؛ لأِنَّهُ بَيَانٌ.
قُلْنَا: لَكَانَ مُتَأَخِّرًا بيَانُهُ لا ذَاتُهُ.
قَالُوا: لَوْ جَازَ بِهِ، لَجَازَ النَّسْخُ.
قُلْنَا: النَّسْخُ عَلَى التَّفْسِيرَيْنِ مَحْجُوبٌ عَنْ نَظَرِ الْعَقْلِ.
قَالُوا: تَعَارَضَا.
قُلْنَا: فَيَجِبُ تَأْوِيلُ المُحْتَمِلِ.
"لنا": في الضروري قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [سورة الزمر: الآية ٦٢]؛ فإنا نعلم بالضرورة أنه ليس خالقًا لنفسه.
"وأيضًا": لنا في النظري قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ [سورة آل عمران: الآية ٩٧]؛ "في خروج الأطفال بالعقل".
ولقائل أن يقول على الأول: إنما يتأتى إذا قلنا بدخول المُخَاطِب في خطابه، وبإطلاق لفظ "شيء" على الباري تعالى.
وعلى الثاني: الطفل إذا كان لا يستطيع فهو خارج بقوله: ﴿مَنِ استَطَاعَ إِليهِ سَبِيلًا﴾، وإلا فلا نسلم أن العقل يخرجه.
واعلم أن الخلاف في المسألة لفظي؛ فإن أحدًا لا ينازع في أن ما يسمى مخصّصًا بالعقل خارج، وإنما النزاع في أن اللفظ هل شمله؟
فمن لا يسمى العقل مخضصًا يدعى أن اللفظ لم يشمل ذلك، وهذا هو ظاهر نصّ الشافعي كما نبّهنا عليه في "شرح المنهاج".
الشرح: والذين وافقوه على ذلك "قالوا" أولًا: "لو كان" مثل ذلك "تخصيصًا"، لكان اللفظ صالحًا له، ولو صلح له "لصحّت الإرادة" إرادة ما قضى العقل بإخراجه من العام "لغة" وهو باطل" لأنا نعلم أن المتكلّم لا يريد ما يخالف صريح العقل.
"قلنا: التخصيص" إنما وقع في "المفرد" أعني: لفظة "كل شيء"، ولفظة "الناس" بالنظر إلى كونه مفردًا "وإنما نسب إليه" مما لا يجوز بالعَقْل نسبته إلى كل أفراده كالخالقية في: ﴿اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ ووجوب الحج في ﴿وللهِ عَلَى النَّاسِ حجُّ البَيْتِ﴾ "مانع هنا"