وإن علم عدم جَرَيَانِهَا لم يخص إلا أن يجمع على فعلها، فيكون تخصيصًا بالإجماع العقلي، وإن جهل الحال فاحتمالان.
والثاني: أن تكون العادة جارية بفعل شيء قبل ورود اللَّفظ العام، فيرد العام بعد، فهل يكون اللّفظ مقصورًا على ما وراء تلك الصورة حتى يقال: إن تلك الصورة غير مرادة، وإنما المراد ما عداها؟
وهذا الوجه هو الذي تكلم فيه الشيخ أبو حامد، ولعلّه الذي أراده الشيخ أبو إسحاق، وابن السمعاني؛ لأنهما يتبعان الشيخ أبا حامد.
قال أبو حامد: ولا يجوز التخصيص به.
قال: وذلك مثل أن يرد عن النبي ﷺ خبر في بيع أو غيره، وعادة الناس تُخَالفه، فيجب الأخذ بالخبر، وإطراح تلك العادة.
قال: وليس في هذا خلاف.
قلت: وعنده أن ما وراء الذي جرت به العادة مراد من اللَّفظ بلا نظر، وإنما الكلام فيما جرت به عادة كما ترى.
ثم قال: فإن قيل: أليس قد خصصتم عموم لفظ اليَمِينِ بالعادة، فقلتم: إذا حلف لا يأكل بَيْضًا، أو لا يأكل الرّءوس، فلا يحنث إلا بما يعتاد أكله من الرُّءوس والبيض؟ فهلّا قلتم في ألفاظ الشارعِ مثل ذلك.
قيل: نحن لا نخص اليمين بعرف العادة، وإنما نخصّه بعرف الشَّارع، مثل: لا تُصَلِّ أو لا تصم، فيحنث بالشرعي، أو بعرف قائم في الاسم مثل: لا تأكل البيض أو الرّءوس، فيعقل من إطلاق هذا الاسم الرءوس التي تقصد بالأكل، فيخص اليمين بعرف قائم في الاسم، فأما بعرف العادة فلا يخصّ؛ لأنه لو حلف لا يأكل خبزًا ببلد لا يؤكل فيه خبز الأرز حنث بأكل خبز الأرز، وإن كان لا يعتاد أكله.
قلت: وحاصله: أن العرف إن جرى بتخصيص اللَّفظ ببعض مدلولاته اعتمد (١)، ولذلك نقول: الحقيقةُ العرفية مقدّمة على اللّغوية.
(١) قال الشيخ فايد: ولما كان العرف مختلف الأنواع فمنه القولي والعملي والقائم وقت ورود النص والحادث بعده، وكان القول بالتخصيص مختلفًا تبعًا لذلك - رأينا أن نذكر أقسامه لنبين =