تمام المراد باللفظ والحمل عليه، إنما العمل به من جِهَةِ أنه داخل في المراد، إن لم يكن تمام المراد، فلم يتعرض له لوضوحه.
وينبغي تنزيل كلام المصنف على ما قررنا، فيقال: قوله: اللفظ لمعنيين .. إلى آخر نصه.
معناه: اللفظ إذا كان يطلق تارة، ويراد به معنيان، وأخرى ويراد به معنى، وإطلاقه عليهما على حَدّ سواء، وهو معنى قوله من غير ظهور.
وهو أحسن ممن صرح بالحقيقتين، أو الحقيقة والمجاز؛ لما عرفت.
وهل يترجّح الحمل على المعنيين، أو يكون مجملًا، أو يفرق بين أن يكون أحد المعنيين هو المعنى الآخر، الذي هو أحد محملى اللفظ؟.
فيه الخلاف.
وقد مثل بعض الشَّارحين المسألة بـ"الدابة" تطلق تارة بِإِزاء الفرس، وأخرى بإزاء كلّ من البَغْلَ والحمار، وهو على كونه فرض ما ليس بواقع من إطلاق الدَّابة على الفرس تارة، والبَغْل والحمار أخرى مثال للحالة الأولى دون الثانية.
وبعضهم أنها تطلق على الفرس تَارَةً، وعلى الفرس والحمار أخرى.
وهو أيضًا كالأول، ومختص بالحالة الثانية.
ومثَّل بعضهم بقوله تعالى: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [سورة النور: الآية ٣٣]؛ فإن الشَّافعي ﵁ قال: المراد بالخير الكَسْب والأمانة.
وقال آخرون: أحدهما فقط.
وهذا إن صحّ يكون مثالًا للحالة الثانية أيضًا فقط.
ثم هو ضعيف؛ إذ موضوع الخير بلا شك عند الشَّافعي وغيره ما هو أعم من ذلك كله، ويصدق على كلّ من الكَسْب والأمانة صِدْقَ المتواطئ إذا أطلق على أفراده، فأين دوران لفظ بين معنيين ومعنى؟.