. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قلت: ليس لأنه موضوع بإزائهما، بل قام عنده دليل من خارج على أنهما مرادان من اللفظ المتواطئ الصالح لهما معًا، وكل منهما.
كما إذا استعملت المتواطئ في فرد بخصوصه، فهو عند ذوي التحقيق لم يخرج عن حقيقته بذلك، والقائل بأنه يخرج ليس بشيء ممَّا نحن فيه.
ولا نقول: إِنَّ الفرد الآخر يعارضه.
ومن قال إِنَّ الأمرين - أعني الكسبَ والأمانة - إذا فقد أحدهما نفى الاستحباب، فقد أخذ بحقيقة الإطلاق، وهو وجه لأصحابنا فيمن علم فيه الكسب دون الأمانة، أو بالْعكس.
فليس حمل الشافعي الخير على الكسب والأمانة معًا، لكونه دائرًا بين مدلولين:
أحدهما الكسب والأمانة معًا، والثاني الأعم، أو أحدهما؛ ولا لأن الخبر عنده موضوع بإزائهما معًا بخصوصهما.
بل هو موضوع للقدر المشترك بين الكل بلا ريب.
ودل دليل من خارج عنده على أن المراد به خير خاص متعلق بالأمانة والكسب معًا، كما في المطْلَق إذا قام الدليل على إرادة المقيد به.
مما يوضح لك بطلان التمسك بهذا، أَنَّ القائل في المسألة الآصوليّة بأن لا يكون مجملًا ويحمل على المعنيين، قد علل دعواه بأن ذلك أكثر فائدة.
والحمل على الأمانة والكسب معًا لا يكون أكثر فائدة، بل أقل، بل كلُّ مطلق حملته على المقيد كذلك؛ لأنك تزيل التمكن من أصل الإطلاق.
ونظير الآية قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾ [سورة النساء: الآية ٦].
وقد قال الشَّافعي: الرّشد: الدين والمال معًا.
وقال غيره: صلاح المال فقط.
وقد يقال في هذه الآية: إِن الرشد موضوع للدين والمال معًا، ولا يمكن أن يقال مثل ذلك في الخير؛ فإِنَّهُ بلا شك لأعم من الكسب والأمانة.