واعلم أنه لو جعل السَّابقة فرعًا عن هذه لكان سديدًا، فيقال: ما له مسمّى لغوي وشرعي هل يحمل على الشرعي أم ماذا يكون؟.
فيه خلاف.
فإن قلنا: يحمل على الشرعي، فلو تعذّر، ولكن أمكن الرد إليه فهل يرد إليه محافظة على الشرعي، أو يكون مجملًا؟.
فيه خلاف.
واختيار الغزالي كما قدمناه أنه مجمل.
والحق عندنا في الأمرين: الحمل على الشرعي كما اختاره المصنّف؛ لأنه الأغلب، ويتلو الشرعي العرفي، ثم اللغوي. هكذا أطلقه أئمتنا.
وعندي: أنه مختصّ بالكلام الصَّادر من الشَّارع، فينظر فيه إلى عُرْفه، وهو الشرعي، ثم عرف الناس؛ لأن الظاهر أنه يكلمهم بما يتعارفونه، ثم اللغوي.
ولو كان في اللفظ الذي له مسميات حيث ورد لقلنا: يحمل كلام كلّ لافظ على عُرْفه، ثم عُرْف الذين خاطبهم، ثم مدلوله المَوْضُوع له بالأَصَالَةِ، فإن يكن اللَّافظ من أهل اللغة فأول ما يحمل كلامه على اللُّغوي، فاعرف ذلك، واحمل عليه كلام المنطقيين.
واعلم أنهم إنما تكلَّموا فيما صدر من الشَّارع.
فإن قلت: من المشهور على ألسنة الفقهاء: أن ما ليس له حَدّ في الشرع، ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف، وهذا صريح في تأخير العُرْف عن اللغة، وقد قضيتم في الأصول بتقديمه، فهل هما مُتَوَاردان على محلّ واحد حتى يلزم الاختلاف، أو كيف الحال؟.
قلت: قال أبي ﵀ في "شرح المهذب":
مراد الأصوليين: إذا تعارض معناه في العرف ومعناه في اللغة.
ومراد الفقهاء: إذا لم يعرف حَدّه في اللغة، فإنما نرجع فيه إلى العُرْف، ولهذا قالوا: كل ما ليس له حَدّ في اللغة، ولم يقولوا: ليس له معنى، فالمراد أن معناه في اللغة لم ينصوا على حدّه بما يبينه، فيستدلّ بالعرف عليه.