قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ: تَأْخِيرُ بيَانِ الْمُجْمَلِ يُخِلُّ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا؛ لِلْجَهْلِ بِصِفَتِهَا؛ بِخِلافِ النَّسْخِ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ بيَانِهَا.
قَالُوا: لَوْ جَازَ تَأْخِيرُ بَيَانِ الْمُجْمَلِ، لَجَازَ الْخِطَابُ بِالْمُهْمَلِ، ثُم يُبَينُ مُرَادُهُ.
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَحَدِ مَدْلُولاتِهِ؛ فَيُطِيعُ وَيَعْصِي بِالْعَزْمِ؛ بِخِلافِ الآخَرِ.
وقد عرفت فيما تقدم أن النسخ وإِن كان من محلّ الخلاف، فلم يخالف فيه إِلا شِرْذمة لا يعبأ بهم.
"و" ثانيًا: "بأنه يفهم الظاهر مع تَجْويزه التخصيص عند الحاجة؛ فلا جهالة"؛ إِذ لم يعتقد عدم التخصيص، بل هو مجوز له، "ولا إِحالة"؛ إِذ لم يرد منه فهم التخصيص تفصيلًا.
واعلم أن منع التأخير إِلَّا في النسخ نقله أئمتنا كما تقدّم عن الجُبّائي وابنه، ونقله عنهما أيضًا عبد الجَبَّار في كتاب "العمد"، واختاره كما عرفت.
الشرح: واحتج له بدليل لا يعرف أنهما ذكراه، وإِنما نعرفه من كلام عبد الجبار، فلذلك نعزوه إِليه فنقول: "قال عبد الجبار: تأخير البيان المجمل يخل بفعل العبادة في وقتها، للجهل بصفتها بخلاف النسخ"، فإِن صِفَةَ الفعل فيه مثبتة، فجاز فيه التأخير.
"وأجيب: بأن وقتها وقت بيانها"؛ إِذ لا تكليف قبله، فلا إِخلال حينئذ.
ومن هنا يتبين لك أن الخلاف بيننا وبينهم يرجع إِلى أصل نحن فيه مُتَشَاجرون، وهو النظر إِلى الاستصلاح.
فعندهم أن الخطاب لا يرد إِلَّا عند قضاء العقل بحسنه، وإِذا قضى العقل بذلك احتاج العبد إِلى الامتثال؛ وما لم يتبين له لم يمكنه الامتثال، مع أن الحاجة دَاعِيَةٌ إِلى الامتثال، لقضاء العقل.
وهذه قاعدة لهم قد تهدّمت أركانها.
وضربوا لنا مثلًا فقالوا: المطلقات اللاتي أمرهن الباري - تعالى - بتربص ثلاثة قُرُوءِ ماذا أراد منهن؟.