للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فكما يحتمل قوله: أوصيت بمالي لزبد قصد التَّمْليك يحتمل قصد الاختصاص بالمنفعة، ولكن التمليك أظهر؛ لأنه موضوع "اللام" كما ذكرناه نحن، أو لأنه أرجح محاملها وأظهرها.

فقد لاح أن معنى الانتفاع ليس مدفوعًا، ولا فرق بين قوله: أوصيت بمالي لزيد وعمرو وقوله لمن يسأله أن يصرف له شيئًا: إنما يصرف مالي للفقراء والعلماء.

فإن قامت قرينة هناك على أن المقصود الجهة فليست موجودة في الآية، وبالله التوفيق.

الشرح: "المفهوم": قد آن ينحاز الكلام على المنطوق، ونقدم الكلام عليه فنقول: "الدلالة" قسمان:

"منطوق: وهو (١) ما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق" (٢)، مثل تحريم التأفيف،


(١) فـ "ما" في قوله: ما دل عليه اللفظ مصدرية، وليست اسمية واقعة على معنى، كما هو ظاهر العبارة، وإنما جعلوها مصدرية، وأخرجوها عن هذا الظاهر؛ ليكون كلامه اللاحق موافقًا لكلامه السابق، فإنه قسم الدلالة أولًا: إلى منطوق ومفهوم، ثم عرف المنطوق بأنه ما دل عليه اللفظ … إلخ، فيكون المنطوق، والمفهوم عنده قسمين للدلالة، والذي يصحح كون المنطوق على هذا التعريف قسمًا من الدلالة هو حمل (ما) على المصدرية كما تقدم، بخلاف حملها على الاسمية، وجعلها واقعة على معنى؛ فإنه يقتضي كون المنطوق قسمًا من المدلول لا من الدلالة؛ إذ يصير المعنى هكذا:
المنطوق معنى دل عليه اللفظ … إلخ، والفرض أنه قسم من الدلالة لا من المدلول، وإلا لزم مباينة المقسم للأقسام، والضمير في "عليه" راجع إلى المعنى المفهوم من سباق الكلام؛ لأن الدلالة تقتضي معنى مدلولًا عليه، وقوله: في محل النطق متعلق بمحذوف حال من ضمير (عليه) فكأنه قال: المنطوق دلالة اللفظ على معنى حالة كون ذلك المعنى ثابتًا في محل النطق أي لما نطق به، وذكر في الكلام، فالمراد بمحل النطق: المنطوق به، والمراد: بكون ذلك المعنى ثابتًا لمحل النطق كونه حكمًا له، وحالًا من أحواله، كما دل عليه تصويرهم؛ لكون المعنى في محل النطق، بقولهم: بأن يكون ذلك المعنى حكمًا للمذكور، وحالًا من أحواله، وهو قيد للتمييز بين المنطوق والمفهوم؛ لأن ذلك المعنى إن كان ثابتًا لما نطق به، فالدلالة عليه منطوق، وإن كان ثابتًا لغير ما نطق به، أي: لغير المذكور في الكلام، فالدلالة عليه مفهوم. فشرط تحقق المنطوق أي: شرط كون السنة منطوقًا هو ذكر ماله الحكم لا ذكر الحكم نفسه، بل الحكم تارة يكون مذكورًا، وتارة يكون غير مذكور، كما دَلَّ عليه قولهم في بيان المعنى الإجمالي للتعريف، سواء ذكر ذلك الحكم أولا.
(٢) والمراد: أن المنطوق في اصطلاح الأصوليين عبارة عن دلالة اللفظ على معنى حالة كون ذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>