(٢) فإن طُولِبْنَا بإثبات القول فيما نصصنا عليه، فالقول الواضح فيه: أن ما أشعر وضع الكلام بكونه تعليلًا، فهو أظهر عندي في اقتضاء التخصيص الذي من حكمه انتفاء الحكم عند انتفاء الصفة من الشرط والجزاء؛ فإن العلة إذا اقتضت حكمًا تضمنت ارتباطه بها، وانتفاءه عند انتفائها، وإذا قال القائل: إنما أكرم الرجل؛ لاختلإفه إليّ - كان ذلك أوضح في تضمن اختصاص إكرامه بمن يختلف إليه من قوله: من اختلف إليَّ أكرمته. فإن قيل: العلل الشرعية ليس من شرطها أن تنعكس، والمفهوم تعلق بادعاء العكس. قلنا الآن: هذا كلام من لم يحط، بما أردناه، والقول في العلل المستنبطة وشرائطها وقوادحها ليس مما نحن فيه بسبيل؛ فإن غرضنا التعلق بما يقتضيه اللفظ في وضع اللسان اقتضاء ظاهرًا، ولا شك أن صيغة التعليل يظهر منها للفاهم ما أردناه، والقول في مأخذ العلل المستنبطة لا يأخذ من مقتضى العبارات والألفاظ، فهذا ما أردناه. فإن قيل: خصصتم بالذكر العلة المناسبة للأحكام، وقد أطلق القائلون بالمفهوم أقوالهم بإثبات المفهوم بكل موصوف، فأثبتوا في ذلك ما هو الحق. قلنا: الحق الذي نراه أن كل صفة لا يفهم منها مناسبة للحكم، فالموصوف بها كالملقب بلقبه، والقول في تخصيصه بالذكر، كالقول في تخصيص المسميات بألقابها. فقول القائل: زيد يشبع إذا أكل كقوله: الأبيض يشبع؛ إذ لا أثر للبياض فيما ذكر، كما لا أثر للتسمية بزيد فيه. =