هذا تمام القول في استدلال إمام الحرمين على ما ذهب إليه من القول بمفهوم الوصف المناسب دون غيره. ونوقش ما استدل به إمام الحرمين: بأنه مبني على اعتبار المناسبة في العلة، وهو ضعيف. فإن القول الحق وهو ما ذهب إليه أكثر العلماء: أنه لا يعتبر في الوصف المنوط به الحكم أن يكون مناسبًا له بناءً على ما هو الحق من أن العلل أمارات ومعرفات للأحكام، ولا امتناع في جعل الجهل أمارة على الإكرام، والعلم أمارة على الإهانة. وللنظر في هذه المناقشة مجال؛ فإنها لا تتلاقى مع كلام الإمام، فلا تصلح دافعة له؛ لأن استدلاله قائم على أن هذا هو المفهوم من وضع اللسان، لا على اعتبار المناسبة في العلة، والإمام ﵁ قد استشعر من نفسه ما قد عساه يوهمه ظاهر كلامه من ذلك، فنبه عليه بالاستبعاد. ألا ترى إلى قوله: "والقول في العلل المستنبطة، وشرائطها، وقوادحها ليس مما نحن فيه؛ فإن غرضنا التعلق بما يقتضيه اللفظ في وضع اللسان اقتضاءً ظاهرًا؟ ولا شك أن صيغة التعليل يظهر منها للفاهم ما أردناه" فظاهر قول الإمام أن القول بمفهوم الوصف المناسب هو قضية اللسان، وليس آتيًا من ناحية كونه علة؛ إذ لا يشترط فيه ما يشترط في العلل من السلامة عن القوادح، وصلاحية استقلاله لإثبات الحكم في المنطوق به؛ لأنه لا يسند إلى المعنى، وإنما يسند إلى اللفظ، غاية ما في الأمر أن المناسبة عنده معتبرة؛ لترجيح قصد لاختصاص الحكم بالمنطوق به، وقطع الإلحاق. فمن هذا يظهر لنا عدم تمام المناقشة المذكورة، وعدم ورودها على كلام الإمام، وإنما الذي يصح أن يقال دفعًا لكلامه هو أن المعول عليه في إثبات المفهوم هو النقل عن أئمة العربية، وهم لم يفرقوا بين ما كان الوصف مناسبًا، وبين ما كان غير مناسب، والدليل منتهض من غير تفصيل في استدلال الجمهور، وبه المعتصم. وإذا أردتم بيانًا أوضح، فالقول الفصل في هذا هو ما قاله الإمام الشَّافِعِيُّ في إثبات القول بالمفهوم من غير تفصيل: قال ﵁ وأرضاه -: "إذا خصص الشارع موصوفًا بالذكر، فلا شَكَّ أنه لا يحمل تخصيصه على وفاق من غير انتحاء قصد التخصيص، وإجراء الكلام من غير فرض تجريد القصد إليه يزرى بأوساط الناس، فكيف ذلك بسيد الخليقة؟! فإذا تبين أنه إذا خصص، فقد قصد إلى التخصيص، =