وقيل لقائله: لا معنى لذكر السودان، وتخصيصهم مع العلم بأن من عداهم في معناهم. هذا تحرير كلام الشافعي، وهو بالغ الحسن، وبه أيضًا يندفع كلام إمام الحرمين، كما اندفع بما سبق، ويتبين عدم انتهاضه في إثبات مطلوبه، بل هذا هو الكلام؛ وهذا هو البيان، ولا يسعني إلا أن أقول: "قطعت جهيزة قول كل خطيب". (١) استدل أبو عبد الله البصري، ومن قال بقوله على ما ذهبوا إليه من تعليق الحكم بالصفة يدل على نفيه، عما عدا المتصف به إذا ورد للبيان، أو للتعليم، أو كان ما عدا الصفة داخلًا فيها، ولا يدل على النفي فيما عدا ذلك: بأن المقصود من الصفة إنما هو تمييز الموصوف بها عما سواه، كما أن المقصود من الاسم إنما هو تمييز المسمى عن غيره، وتعليق الحكم بالاسم نحو "زيد عالم" لا يدل على نفي العلم عمن لم يسم باسم زيد، فكذلك تعليق الحكم بالصفة. هذا حاصل ما استدل به أبو عبدا الله البَصْرِي على ما ذهب إليه، كما جاء في "الإحكام" للآمدي.
"مناقشة الدليل" نوقش هذا الدليل من وجهين: أحدهما: أن هذا الدليل بوضعه المتقدم ينتج القول بعدم المفهوم مطلقًا، فإنه يجري في تعليق الحكم بالصفة مطلقًا، مع أنه يقول بالتفصيل. ثانيهما: أن هذا الدليل يرجع إلى قياس تعليق الحكم بالصفة على تعليقه بالاسم في عدم الدلالة على النفي، بجامع أن المقصود في كل من الاسم والصفة هو التمييز، وهو قياس مع الفارق؛ فإن الكلام بدون ذكر الاسم يكون مختلًا، ولا يفيد، فكان المقصود منه تمييز المسمى فحسب، بخلاف الصفة، فإن الكلام لا يختل بدونها، فلم يكن المقصود منها التمييز فحسب. فظهر بهذا أن هذا الدليل لا يصلح حجة للمستدل. =