وقال القاضي في "التقريب": صار معظم نفاة دليل الخطاب إِلى أن التقييد بحرف الغاية يدلّ على انتفاء الحكم عما وراء الغاية. قال: ولهذا أجمعوا على تسميتها غاية. المذهب الثَّاني: أنه ليس بحجة بمعنى أن تقييد الحكم بالغاية لا يدلّ على انتفاء الحكم عما بعدها، بل هو مسكوت عنه غير متعرض له بنفى أو إِثبات، وهو مذهب أصحاب أبي حنيفة، وجماعة من الفقهاء والمتكلمين، واختاره سيف الدين الآمدي طردًا لباب المنع من العمل بالمفاهيم. هذا حاصل الخلاف في حجية مفهوم الغاية، وقد اتضح لك أنه مفروض فيما وراء الغاية لا في الغاية نفسها. وذهب بعضهم إِلى أنه مَفْروض في الغاية نفسها بمعنى أن تقييد الحكم بالغاية هل يدل على انقضاء ذلك الحكم في الغاية نفسها أو لا يدلّ؟ فالذي يقول بمفهومها يقول بانتفاء الحكم يها، ومن لا فَلا، وهو مردود لتصريح؛ أكثر العلماء لا سيما المحققين منهم بأن النزاع هنا إِنما هو فيما بعد الغاية لا في الغاية نفسها، نعم في الغاية خلاف أيضًا، ولكنه خلاف آخر. وحاصل هذا الخلاف هل الغاية داخلة في حكم المغيا أو خارجة عنه، وهو خلاف لا دخل له في هذا المقام، فإِن الكلام هنا في دلالة المخالفة وعدمها، والخلاف هناك في الدخول والخروج، وأين أحدهما من الآخر؟! فإِنه على التقدير الثَّاني لا يستلزم المخالفة؛ فإِن الخروج أعم من أن يدلّ على المخالفة، أو يكون مسكوتًا عنه بخلاف الأول، وهو ظاهر على أنا إِن قلنا بخروج الغاية عن المغيا يأتي خلاف المفهوم فيها أيضًا، وبالجملة فهما خلافان مُتَغَايران. أحدهما: أن تقييد الحكم بالغاية، هل يدلّ على نفي الحكم عما بعدها أو لا؟. والثَّاني: أن هذه الغاية، هل هي داخلة في حكم المغيا أو لا؟ ولا ربط لأحدهما بالآخر، والمبحوث عنه هنا هو الأول دون الثَّاني، والثَّاني يجتمع مع القول بالمفهوم وعدمه، كما أن النزاع الأول يجتمع مع القول بالدخول والخروج، ولا تنافي بينهما. ينظر: شرح مسلم الثبوت ٤٣٢، والإِحكام للآمدي ٢/ ١٥٥، وإِرشاد الفحول ١٨٢.