وهذا دليل ينفرد به من ينكر ما عدا الغاية ويقول بها.
قال القاضي في "التقريب" محتجًا له: ولهذا لم يحسن أن يقول قائل: اضرب المذنب حتى يتوب وهو يريد: واضربه وإِن تاب، وإِلا يلغو كلامه.
قال: وهذا من توقيف أهل اللُّغة معلوم، فكان بمنزلة قولهم: تعليق الحكم بالغاية موضوع للدلالة على أن ما بعدها بخلاف ما قبلها.
واحتج القاضي أيضًا بالاتفاق على أنك تقدر في الغاية الطّهر فتقول في: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [سورة البقرة: الآية ٢٢٢]، تقديره: فاقربوهن، وفي: ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ [سورة البقرة: الآية ٢٣٠]: فتحل، ونحو ذلك.
وإِذا تأملت كلام القاضي وقوله: إِن هذا معلوم من توقيف أهل اللُّغة إِلى آخره ظهر لك منه أنه يدعى ثبوت الحكم فيما بعد الغاية وضعًا لفظيًّا، فليس عنده مفهومًا، بل منطوقًا، فاندفع إِيراد القُطب الشِّيرَازي حيث ردد في قول المصنّف لو قدر وجوب بعده لم يكن أخيرًا، فقال: لم يكن آخرًا للمأمور به، أو لمطلق الصوم؟
الأول مسلم، ولا يدفع الدعوى، والثَّاني ممنوع.
فنقول: إِذا كان الحكم ثابتًا فيما بعدها نطقًا استحال ورود اللَّفْظ بخلافه، ولا مخصصًا أو ناسخًا، ويخرج عما نحن فيه، فافهم.
فإِن قلت: فإِذن لا مفهوم للغاية عند القاضي، بل هي منطوق.
قلت: كذلك هو، ولذلك احتج إِلى إِفراده بالذكر كما علمت.
وإِنما حسن إِيراده في المفاهيم قول الأكثر: إِنه مفهوم، فسلكنا سبيلهم، وأوردناه، ولم نهمل جانب من ادّعى أنه منطوق، وأنه فوق الشَّرط والصفة، بل من أجله خصصناه بالذكر، وأفردناه، فهو كأنما قيل: لا يفيد.
وقيل: منطوق.
وقيل: مفهوم، [فهذه](١) المفاهيم الأربعة الَّتي ذكرها سلفنا يظهر فيها نزاعهم، وأكثرها على القول بها.