الأولى قطعًا ليس للاختصاص، وفي "إِياه" قطعًا للاختصاص فتأمله.
وإِذا تأملت هذه الخاتمة نقول لك: رب أمر يدلّ عليه اللفظ في محلّ نطقه بالنص، وآخر بالإِشارة، وثالث يدلّ عليه لا في محله وهو المفهوم، ورابع مختلف في أنه هل دلّ عليه في محله بالإِشارة، أو دلّ لا في محله، أو لم يدل أصلًا، فمن القسم الرابع "إِنما"، وحصر المبتدأ في الخبر، وتقديم المعمول ونحوها، فلا أحسب أحدًا يدّعى أنه نطق منصوص، بل قصاراه دعوى إِشارة النص.
فإِن قلنا: إِنه يدلّ بالإِشارة كان مترقِّيًا عن مراتب المفاهيم؛ إِذ دلالة النص أقوى من مفهومه.
ومنه أيضًا مفهوم الغاية، فإِذن أقوى المختلف في أنه مفهوم "ما" و "إِلا" كقولك: ما قام إِلا زيد، فإِنه صريح في نفي قيام غيره مقتضى لقيامه.
قيل بالمنطوق.
والأصح بالمفهوم، وهو أقوى المفاهيم؛ لأن "إِلَّا" موضوعة للاستثناء، وهو الإِخراج، فدلالتها عليه بالمنطوق، ولكن الإِخراج من عدم القيام ليس هو عين القيام، بل قد يستلزمه؛ فلذلك رجّحنا أنه مفهوم، ثم "إِنما"، والغاية، ثم حصر المبتدأ في الخبر، ثم الشَّرط؛ لأنه على القول به مفهوم، ولم يقل أحد: إِنه بالنطق، ثم الصفة المناسبة، ثم مطلق الصفة، ثم العدد، ثم تقدم المعمول.
وإِنما أخّرناه لما ذكرناه من أنه لا يفيد في كُلِّ أحواله.
ثم المحفوظ فيه عن القائلين به إِنما هو بلفظ الاختصاص لا الحصر.
وقدوهم المتأخرون أن الاختصاص الحصر بعينه، وفَاهَتْ بذلك ألْسِنَةُ الطَّالبين في علم المعاني والبيان، وفرق أبي ﵁ في مصنفه المسمى بـ "الاقتناص" بينهما فقال: قد اشتهر أن تقديم المعمول يفيد الاختصاص.
ومن الناس من أنكره، وقال: إِنما يفيد الاهتمام.
وقال سيبويه في "الكتاب" هم يقدمون ما هم به أعنى. ثم فهم كثير أن الاختصاص، الحصر، وليس كذلك، بل هما متباينان.