والفضلاء لم يذكروا في تقديم المَعْمُول إِلّا لفظ الاختصاص منهم الزمخشري في: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، وفي: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾ [سورة الزمر: الآية ١٤] وغيرهما من الآيات.
فإِن قلت: فما الفرق؟.
قلت: الاختصاص: افتعال من الخصوص، والخصوص مركّب من شيئين، أو أشياء، والثَّاني معنى منضمّ إِليه بفصله عن غيره، كـ "ضرب زيد"، فإِنه أخصر من مطلق الضرب.
فإِذا قلت: ضربت زيدًا أخبرت بضرب عام وقع منك على شَخْصٍ خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصًّا لما انضم إِليه مثل: ومن زيد؟ وهذه المعاني الثلاثة أعني مطلق الضرب، وكونه واقعًا منك، وكونه واقعًا على زيد - قد يقصدها المتكلم على السواء، وقد يترجّح قصده لبعضها، ويعرف ذلك بما ابتدأ به، فالمبتدأ به هو الأهم.
فإِذا قلت: زيدًا ضربت علمت أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود.
ولكل مركّب من خاص وعام جهتان:
فقد يقصد من جهة عمومه.
وقد يقصد من جهة خصوصة، وهذا هو الاختصاص.
وأما الحصر فمعناه إِثبات المذكور ونفى غيره، وهو زائد على الاختصاص، وإِنما جاء في ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ للعلم بأن غيره لا يعبد، ولا يُسْتَعَان.
ألا ترى آيات لا يطرد ذلك فيها؟.
فإِنه قوله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ﴾ [سورة آل عمران: الآية ٨٣] لو جعل في معنى: ما يبغون إِلَّا غير دين الله، وهمزة الإِنكار داخلة عليه لزم أن يكون المنكر الحصر، لا مجرد بغيهم غير دينه، ولا شكّ أنه منكر أيضًا، وكذا غيرهما من الآي.