للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واختلف في حقيقته:


= ليعلم جميع أنواع الحكم من الندب، والكراهة، والإباحة، فجميع ذلك قد ينسخ. وإنما قلنا: لولاه لكان الحكم ثابتًا به؛ لأن حقيقة النسخ الرفع، فلو لم يكن هذا ثابتًا لم يكن هذا رافعًا؛ لأنه إذا ورد أمر بعبادة مؤقتة وأمر بعبادة أخرى بعد تقدم ذلك الوقت لا يكون الثاني ناسخًا، فإذا قال: "وأتموا الصيام إلى الليل" ثم قال: "في الليل لا تصوموا" لا يكون ذلك نسخًا، وإنما قلنا مع تراخيه؛ لأنه لو اتصل به لكان بيانًا وإتمامًا لمعنى الكلام، وتقديرًا له بمدة أو شرط، وإنما يكون رافعًا إذا ورد بعد أن ورد الحكم واستقر بحيث يدوم لولا الناسخ، وهو مع شرحه هذا والإطناب فِي بيان ما اختار، فإن تعريفه معترض بأربعة اعتراضات، بالثلاثة الأول التي اعترض بها على تعريف إمام الحرمين، ويجاب عنها بما أجبنا به سابقًا، وبرابع يخصه، وهو أن قول: "على وجه لولاه لكان ثابتًا به مع تراخيه" زيادة لا يحتاج إليها، أما لولاه لكان ثابتًا؛ فلأن الرفع لا يكون إلا إذا كان كذلك، وأما مع تراخيه عنه؛ فلأنه لولاه لم يتقرر الحكم الأول، فكان دفعًا لا رفعًا، كالتخصيص، ويجاب عنه بأن قوله: لولاه لكان ثابتًا" احتراز عن قول العدل: "إن حكم كذا قد نسخ"؛ فإنه وإن كان خطابًا دالًا على ارتفاع الحكم لكنه ليس هو بحيث لولاه لكان الحكم ثابتًا في نفس الأمر، وإن اعتقد المكلف ثبوته، مع أن دلالة الرفع على ما ذكر التزام، ولا يقدح في التعريف التصريح بما علم التزامًا، على أنه لو أريد بالدال الدال بالذات اندفعت الثلاثة، وبأن قوله مع تراخيه عنه احتراز عن الغاية ونحوها من المخصصات المتصلة.
وعرفه ابن الحاجب بقوله: "النسخ هو رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر".
فقوله: "رفع الحكم الشرعي" ليخرج المباح بحكم الأصل؛ فإن رفعه بدليل شرعي ليس بنسخ، وقوله: "بدليل شرعي" ليخرج رفعه بالموت والنوم والغفلة والجنون، وقوله: "متأخر" ليخرج نحو: صل ويمكن أن يعترض هذا التعريف بأن قوله: متأخر، ليخرج نحو: صل إلى آخر الشهر، عند كل زوال زيادة لا يحتاج إليها؛ فإن الحكم لم يثبت بأول الكلام؛ لأن الكلام بالتمام؛ فكيف يرفع. اللَّهم إلا أن يقال: "لا التصريح ودفع التوهم مما يقصد في الحدود"، وربما يقال عليه أيضًا كما يقال على سابقه: "إن الحكم كلام الله وهو قديم، وما ثبت قدمه امتنع عدمه، فلا يتصور رفعه".
ويجاب بأن المراد رفع تعلق الحكم أو الخطاب بالمكلف تنجيزًا، بحيث يصير مكلفًا بالفعل الذي لولا الرفع لبقي واستمر، فلو قال ابن الحاجب في تعريفه: "رفع تعلق الحكم الشرعي بدليل شرعي" لسلم من هذا الاعتراض. تعريف ابن الحاجب أدق؛ لأنه لا يرد عليه شيء من الاعتراضات السالف ذكرها، وبيان ذلك أنه جحل الجنس في التعريف هو الرفع، لا دليل الرفع =

<<  <  ج: ص:  >  >>