وفي اصطلاح الفقهاء: "النسخ هو النص الدال على انتهاء أمد الحكم الشرعي مع التأخير عن مورده". ومعناه: أن الحكم له غاية ينتهي بانتهائها، لكن لما لم تكن تلك الغاية مبنية بالنص الدال على الحكم الأول، جاء النص الثاني متأخرا عن ورود الحكم الأول وبين تلك الغاية. فقولهم في التعريف: "مع التأخير عن مورده" احتراز عن البيان المتصل بالحكم الأول، سواء كان مستقلًا: كـ"لا تقتلوا أهل الذمة" عقب ﴿اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ متصلًا، أو غير مستقل، كالاستثناء، والغاية، والشرط، والوصف. يرد على هذا التعريف ما ورد على تحريف إمام الحرمين، وهو أن النص دليل النسخ لا نفسه، وأن التعريف غير مطرد؛ لدخول قول العدل فيه وليس بنسخ، وغير منعكس؛ لخروج ما هو نسخ عنه، إذ قد يكون النسخ بفعله غليه الصلاة والسلام، ويجاب عن الأول بما أجبنا به سابقًا، وعن الثاني بأن قول الراوي: "نسخ حكم كذا" ليس بنص، فلا بأس بخروجه، وعن الثالث: بأنا لا نسلم خروج فعله ﵇ من التعريف، بل هو داخل من حيث إنه أفاد حكمًا نصًا فيه، فإنه يوصف بما توصف به الألفاظ من الظاهر والمجمل. ثم إن من تأمل في كتب الأصول يجد أن الفقهاء لجئوا إلى هذا التعريف فرارًا من الرفع؛ وذلك لأن الحكم قديم، والتعلق قديم، فلا يتصور رفع شيء منهما، وفساد هذا ظاهر؛ فإن انتهاء أمد الوجوب لا يتصور قع دوام الوجوب، وعدم دوامه هو رفعه، فقد قالوا بالرفع معنى، وأنكروه لفظًا، أو بعبارة أخرى أن الرفع لازم الانتهاء، فإن الحكم إذا انتهى ارتفع، وإذا كان القديم لا يرتفع فكذا لا ينتهي، وإذا كان المراد انتهاء تعلقه، فكذا المراد برفعه رفع تعلقه، فلا معنى لفرارهم من الرفع إلى الانتهاء. والفرق بين الاصطلاحين: أن من تأمل في كلام الفقهاء يجد أن التعريف عندهم مبني على أن الحكم الأول مؤقت بوقت ظهر فيه الحكم الثاني في علمه تعالى، فليس هناك رفع، بل إنما هو بيان الأمد الذي وقت به، وهذا بخلاف التعريف عند الأصوليين، فإنه مبني على أن الحكم الأول غير مؤقت بل مطلق ارتفع بالنسخ، فهل بين التعريفين خلاف؟ "مذهبان": قال ابن=