[دَلَّكَ](١) على أن مثل الحكم الثَّابت بالنص المتقدم - وهو الحج - زائل عنه على وجه لولاه لكان ثابتًا بحكم العموم الذي لا يدفعه التقييد بالمرة.
واعلم أن أئمتنا وأئمة المعتزلة قد أكثروا القول في تعريف النَّسْخ، وأنا أبدًا أستثقل الإكثار من ذكر التَّعَاريف، والاشتغال بتزييفها؛ فإن المعاني إذا لاحت لم يحسن بطالب التحقيق تضييع الأوقات في تحرير العبارة عنها، والأوقات أنفس من التنافس في ذلك.
وحاصل الخلاف يرجع إلى أن النسخ رَفْعٌ أو إثبات؟.
وفيه قولان مشهوران.
ثم كل ذي قول يرجع تعريفه إلى أصله، وإن اضطرب على أصله، فليس بخلاف من قبله، بل ربما أتى من اختلاف العبارات وقفة تصويبهم عما يرد عليها.
وموضع التشاجر هو أن النسخ رفع أو بيان؟.
والقول بأنه رفع هو رأي القاضي، والغزالي، وابن الأنباري، والآمدي، والمصنف، وجمع كثير، وإياه نختار.
وأقرب الحدود عندنا على هذا أن النسخ: رفع الحكم الشرعي بخطاب.
وقلنا:"بخطاب" ليخرج ارتفاعه بالموت ونحوه، وهو ما عرفه به ابن الأنباري. والقول بأنه بيان: رأى الأستاذ أبي إسحاق، وإمام الحرمين، والإمام، وأكثر الفقهاء، وقد عرفت ما نعني بالرَّفْع والبيان في أدراج الكلام، ووضح لك هو أن الخلاف بعده، وإن استعظمه مستعظمون.
ولقد ذكر ابن السَّمْعَاني حدّ القاضي أولًا، ثم حدّ الفقهاء ثانيًا، واقتضى كلامه أنهما عنده صحيحان مرضيان.
وللخلاف في أنه رفع أو بيان أصل أصيل، وهو اختلاف المتكلمين في أن زوال الأعراض بالذَّات أو بالضد؟.
فإن من قال ببقائها قال: إنما ينعدم الضِّد المتقدم لطريان الطَّارئ، ولولاه لبقى.