للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

"قيل: من ابن الراوندي (١)، (٢) والقطع أنه لو كان عندهم صحيحًا لقضت العادة بقوله


= في شريعة موسى عيه السلام بعد إباحته إباحة مطلقة عن الغاية في شريعة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. ومنها تحريم جمع الأختين في شريعة موسى عيه السلام وما بعدها من الشرائع بعد الإباحة في شريعة يعقوب ؛ فإنه جمع بين الأختين. ومنها وجوب الختان عندهم يوم الولادة، وقيل: في الثامن في شريعة موسى عيه السلام بعد الإباحة في شريعة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
فإن قال الخصم ردًا لهذه الإلزامات الثلاث: "إن هذه الأمور لم يتعلق بها خطاب في شريعة، بل هذه كانت مباحة قبل التحريم والوجوب، ورفع مباح الأصل ليس بنسخ".
قلنا جوابًا عن هذا الرد: "التحقيق أن هذه المباحات مباحات شرعية، بدليل أن الله جل شأنه لم يترك الإنسان من منذ نشأته في حين من الأحيان سدى قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ ولم يمض وقت إلا وفيه شريعة نذير، وإذا كان فلا بد أن تكون هذه المباحات شرعية واردة في شرائع هؤلاء النذر؛ لذلك ذهب الإمام فخر الإسلام إلى بطلان القول بالإباحة الأصلية مستدلًا بالآية الكريمة السابقة.
ووجه الاستدلال بها: أن الإنسان لم يترك في حين من الأحيان سدىً بل هو مكلف بشريعة نبي من الأنبياء، فلا شك أن الأشياء منها ما كان على الوجوب، ومنها ما كان على التحريم، وهكذا، فالقول بالإباحة مطلقًا باطل، إلَّا بمعنى عدم المؤاخذة؛ لاندراس الشرائع زمان الفترة، وجعل هذا الجهل عذرًا. وأيضًا تلك الإباحات لما تقررت في تلك الشرائع وعلمت الأمة بها من غير نكير من النذر لها صارت بحكم التقرير أنها من أحكام تلك الشرائع، فيكون رفعها رفع حكم شرعي، وهو النسخ. كيف وقد جمع يعقوب بين الأختين وفعل النبي تشريع؟ وكذا الاصطياد والاختتان. فهذه الحجج ثابتة من غير أن يمسها أدنى شبهة من أدنى التلبيس.
(١) أحمد بن يحيى بن إسحاق، أبو الحسين، الراوندي أو ابن الراوندي. فيلسوف مجاهر بالإلحاد، من سكان بغداد. نسبته إلى "راوند" من قرى "أصبهان". قال ابن خلكان: له مجالس ومناظرات مع جماعة من علماء الكلام. قال ابن كثير: أحد مشاهير الزنادقة. قال ابن حجر العسقلاني: زنديق شهير، كان أولًا من متكلمي المعتزلة ثم تزندق واشتهر بالإلحاد. قال ابن الجوزي: ملحد زنديق، وإنما ذكرته ليعرف قدر كفره. له كتاب في الرد على أهل التوحيد وكتاب في الطعن علي رسول الله. ومن كتبه أيضًا: "التاج" و"الزمرد". مات برحبة مالك بن طوق سنة ٢٩٨ هـ. وقيل: صلبه أحد السلاطين بـ"بغداد".
ينظر: وفيات الأعيان ١/ ٢٧، والبداية والنهاية ١١/ ١١٢، وكشف الظنون (١٢٧٤)، والأعلام ١/ ٢٦٧.
(٢) "ليعارض بها دعوى رسالة سيد العالم محمد ؛ إذ لو كانت متواترة كما تدعون لنقلت إلينا =

<<  <  ج: ص:  >  >>