وما زعموا أن في النوراة (تمسكوا بالسبت ما دامِت السموات والأرض) فمدفوع بأنه لا تواتر في التوراة الكائنة الآن؛ لاتفاق أهل النقل على إحراق بختنصر أشعارها، وأنه لم يبق من يحفظها. بل ذكر أحبارهم "أن عزيرًا ألهمها فكتبها ودفعها إلى تلميذ ليقرأها عليهم فأخذوها من التلميذ" وبخبر الواحد لا يثبت التواتر. وبعضهم زعم أن التلميذ زاد فيها ونقص، فكيف يوثق بما هذا سبيله؟ ولذا لم تزل نسخها الثلاث التي بأيدي القضائية، والتي بأيدي السامرية، والتي بأيدي النصارى مختلفة في أعمار الدنيا وأهلها، ففي نسخة السامرية زيادة ألف سنة وكسر على ما في نسخه القضائية، وفي نسخة النصارى زيادة ألف سنة وثلاثمائة وفيها الموعد بخروج المسيح وبخروج العربي صاحب الجمل وارتفاع تحريم السبت عند خروجهما، على أن السامرية أنبأت بأن من هبوط آدم ﵇ إلى الطوفان ألف سنة وثلاثمائة وسبع سنين. وأنبات العبرانية وهي التي بأيدي اليهود إلى زماننا بأن بين هبوط آدم والطوفان ألف سنة وخمسمائة وستًا وخمسين سنة؛ وهو باطل باتفاق، وأيضًا لو كانت هذه النقول صحيحة لكانت أقوى دليل يتمسكون به في محاجة الرسول ومعارضته في زمنه ﵊، وأيضًا يقال لهم: "كيف تدعون التواتر وأنتم مختلفون في فن الحديث فإن منكم من قال الحديث: "إن أطعتموني كما أمرتكم به ونهيتكم عنه ثبت ملككم كما ثبتت السموات والأرض" وليس في ذلك ما يدل على أحالة النسخ، على أننا لو سلمنا لهم صحة ما نقلوه فيحتمل أنه أراد من الشريعة التوحيد، ويحتمل أنه أراد بقوله: "مؤبدة" ما لم تنسخ بشريعة نبي آخر. ومع احتمال هذه التأويلات فلا يعارض قوله ما ظهر على يد النبيّ ﷺ من المعجزات القاطعة الدالة على صدقه في دعواه الرسالة ونسخ شريعة من تقدم. كيف وأن لفظ التأبيد قد ورد في التوراة ولم يرد به الدوام كقوله: "إن العبد يستخدم ست سنين ثم يعتق في السَّابعة، فإن أبي العتق فلتثقب أذنه ويستخدم أبدًا" وكقوله في البقرة التي أمروا بذبحها: "هذه سنة لكم أبدًا" وكقوله: "قربوا كل يوم خروفين قربانا دائمًا". (١) سقط في أ، ب، ت.