لَنَا: لا يَزِيدُ عَلَى: صُمْ غَدًا ثُمَّ يُنْسَخُ قَبْلَهُ.
قَالُوا: مُتَنَاقِضٌ.
قُلْنَا: لا مُنَافَاةَ بَيْنَ إِيجَابِ صَوْمِ غَدٍ وَانْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ قَبْلَه، كَالْمَوْتِ.
على أن لفظ التأبيد لا يتنزل منزلة التَّنصيص، ولا يمنع النسخ لكن لا مطلقًا، بل إذا لم يؤت معه بلفظ الاستمرار، ويجعل قيدًا في الوجوب.
وقال: بخلاف مثل: الصوم واجب مستمر أبدًا. هذا ما يظهر عندي.
ولقائل أن يقول: لا يصحّ له فرق؛ فإن قوله: الصوم واجب مستمر أبدًا، إذا لم يكن على وَجْهِ الخبر لا يزيد على: صوم غد واجب في النُّصوصية، ونحن نقول بجواز نسخ ذلك إذا لم يكن خبرًا، فلنقل بهذا بطريق أولى.
فالمختار أن الإنشاء يجوز نسخه وإن قيد بضروب من التأكيد، وانتهى إلى أقصى درجات النصوص، وعليه الجمهور.
وخالف بعض المتكلمين، ومن الحنفية أبو بكر الجصَّاص، وأبو منصور الماتريدي، وأبو زيد الدبوسي، والبرذويان الأخوان.
الشرح: "لنا": أن قوله: صوموا أبدًا، "لا يزيد" في دلالته على جزئيات الزمان "على: صم غدًا" في دلالته على صوم الغد، "ثم" قوله: صم غدًا "ينسخ قبله"، ولا يلزم مَحْذُور كما سبق مع قوّة النصوصية فيه، فـ"صم أبدًا" مع ظهوره واحتماله ألَّا يتناول أجدر.
ولك أن تقول: والصوم واجب مستمر أبدًا لا يزيد على: صم غدًا، كما عرفت.
نعم للخصم أن يقول: لا نسلم أنه يجوز نسخ: صم غدًا، وإذن لا تنهض الحجّة عليه.
وقد ادّعى بعض الحنفية الاتفاق على أنَّ التنصيص على وقت بخصوصه يمنع النسخ. صرح به عبد العزيز في شرح البزدوي المسمى بـ"كشف الأسرار" فليس بجيّد، فنحن أوّل من يمنع ذلك، وإنما استفدنا منه أنهم يمنعون نسخ: صم غدًا، فلا يستدلّ عليهم به.
والأولى في الاستدلال أن يقول: مِنْ شرط النّسخ أن يرد في الزمان الذي دلَّ الخطاب على ثبوت الحكم فيه ظاهرًا أو نصًّا، وقد بيّنا جواز النَّسخ قبل التمكّن، فنصوصية الخطاب الدَّالة على ثبوت الحكم لا تنافي النَّسْخ، بل هي شرط له على البدلية، ودلالة التأبيد سواء