قَالُوا: وَقَعَ فَإنَّ أَهْلَ قُبَاءَ سَمِعُوا مُنَادِيَهُ ﷺ ألا إِنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ، فَاسْتَدَارُوا" وَلَمْ يُنكَرْ عَلَيْهِمْ. أُجِيبَ: عَلِمُوا بِالْقَرَائِنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
قَالُوا: كَانَ يُرْسِلُ الآحَادَ بِتَبْلِيغِ الأَحْكَامِ مُبْتَدَأَةً وَنَاسِخَةً.
وَأُجِيبَ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا ذَكَرْنَاه، فَيُعْلَمُ بِالْقَرَائِنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وثانيًا: أنه لا يتم؛ لأن المتواتر مظنون الدلالة بخلاف الآحاد؛ فتعادلا.
لا يقال حينئذ: يتعين أن يكون الآحاد مخصصًا، ولا خلاف فيه؛ لأن ذلك إنما يتعيّن إذا ورد قبل العمل بالعام المتواتر.
أما إذا ورد بعد العمل به، فيكون ناسخًا.
وأيضًا قال القاضي:. لا نسلّم أن المقطوع لا يدفع بالمَظْنُون قال: ألا ترى أن انتفاء الأحكام قبل ورود الشرائع مقطوع به عندنا، وثبوت الحظر أو الإباحة مقطوع به عند آخرين، ثم خبر الآحاد يرفع ذلك باتفاق؟.
وأيضًا فإنا مهما جَوَّزنا نسخ النص بخبر الواحد، فلا نسلّم مع ورود كون النَّص مقطوعًا به ذكره القاضي أيضًا.
ومراده: أن المقطوع به إنما هو أصل الحكم، لا دوامه، والنَّسْخ يرد على دوامه لا على أصله، وهو حسن.
فالحَق إثبات الجواز، وأما الوقوع، فقد أعلمناك أن الأكثرين نفوه، وخالف جماعة من أهل الظاهر.
وفصل القاضي والغَزَالي، فقالا بوقوعه في زمان الرسول ﷺ دون ما بعده.
ونقل القاضي إجماع الأمة على منعه بعد زمن النبي ﷺ قال: وإنما اختلفوا في زمانه.
وقال إمام الحرمين: أجمع العلماء على أن الثَّابت قطعًا لا ينسخه مظنون، ولم يتعرّض لزمان الرسول ﷺ (١).
وعندي أن الفارق أن الأحكام في زمن النبي ﷺ في معرض التغير بخلاف ما بعده؛
(١) ينظر: البرهان ٢/ ١٣١١ (١١٤٧).