والتحريم في المستقبل لا ينافيه حتى يلزم النَّسْخ به، غايته أن عدم التحريم يثبت بالآية، ولازم عدم التَّحريم بقاء البَرَاءة الأصلية لا ثبوت الإباحة الشرعية، والبراءة هي المرفوعة بالحديث، فالحديث محرم لحلال الأصل، "وتحريم حلال الأصل ليس بنسخ"؛ لأنه لم يرفع حكمًا شرعيًّا.
وحيث ذكرنا ما ينسخ به، فلنذكر ما يعرف به كون الحكم ناسخًا، وإليه الإشارة بقوله:"ويتعيّن الناسخ بعلم تأخره" عن المنسوخ.
"أو بقوله ﷺ: هذا ناسخ أو ما في معناه"، أي: معنى هذا ناسخ "مثل" ما روى مسلم
في "الصحيح" من قوله ﷺ: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ" عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا" (١).
"وبالإجماع" على أنه ناسخ، وهذه الطرق الصحيحة في معرفة الناسخ.
ولقائل أن يقول: علم التأخير يشمل الأقسام التي يعرف بها النَّاسخ كلها؛ لأن كل ناسخ فهو معلوم التأخير.
فصواب العبارة أن يقال: يتعيّن الناسخ بعلم تأخّره، وله طرق: قوله ﵇: هذا ناسخ، أو ما في معناه، والإجماع.
"ولا يثبت بتعيين الصحابي؛ إذ قد يكون عن اجتهاد".
(١) أخرجه مسلم ٢/ ٦٧٢ في كتاب الجنائز: باب استئذان النبي ﷺ ربه في زيارة قبر أمه، حديث (١٠٦/ ٩٧٧)، وأخرجه في الأضاحي (٣٧/ ١٩٧٧)، وأخرجه النسائي في المجتبي من السنن ١١/ ٣١٠، ٣١١ في باب الإذن في شيء منها (٥٦٥١، ٥٦٥٢، ٥٦٥٣) وأخرجه ابن ماجة ١/ ٥٠١ في كتاب الجنائز: باب ما جاء في زيارة القبور، حديث (١٥٧١)، وقال البوصيري في "الزوائد": إسناده حسن، وأحمد في المسند ٤/ ٤٤١، وأخرجه الترمذي بلفظ: "قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد في زيارة قبر أمه، فزوروها؛ فإنها تذكركم بالآخرة" ٣/ ٣٧٠ في الجنائز: باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور، حديث (١٠٥٤) وقال أبو عيسى: حديث بريدة حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بزيارة القبور بأسًا، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٤/ ٧٦ في الجنائز، باب زيارة القبور، وفي ٨/ ٣١١، وابن أبي شيبة في المصنف ٣/ ٣٤٢، ٣٤٤، وانظر: تلخيص الحبير ٢/ ١٣٧.