للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: ﴿لِتُبَيِّنَ﴾ [سورة النحل: الآية ٤٤]، وَالَنَّسْخُ رَفْعٌ لا بيَانٌ.

قُلْنَا: الْمَعْنَى: لِتُبَلِّغَ، وَلَوْ سُلَّمَ فَالَنَّسْخُ أَيْضًا بيَانٌ وَلَوْ سُلِّمَ فَأَيْنَ نَفْيُ الَنَّسْخِ؟.

قَالُوا: مُنَفرٌ.

قُلْنَا: إذَا عُلِمَ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ فَلا نَفْرَةَ.

وكذلك ذكر أبو جعفر النحاس، ولم ير من قال: إن ذلك كان بالسّنة.

وأما إيجاب صوم عاشوراء ثم نسخه، فهو قول الحنفيّة، وحكاه عبد الرزاق في "مصنفه" عن علي، وأبي موسى.

والذي عليه أصحابنا: أنه لم يكن فرضًا قط، وقد بين ذلك البيهقي في "الخلافيات"، وأبو إسحاق الشيرازي في "النكت"، وغيرهما من علمائنا.

"وأجيب" عن دعوى الوقوع أيضًا "بجواز نسخه بالسُّنة، ووافق" نسخه بها "القرآن"، فاستغنى به عن نقلها.

"وأجيب" عنه: "بأن ذلك يمنع تعيين ناسخ أبدًا"، فلا يدعى ناسخ إلا ويمكن أن يقال: لعلّ النسخ واقع بغيره.

ولقائل أن يقول: جريان الاعتراض في أماكن كثيرة لا يدفعه، بل الجواب أن يقال: الأصل عدم غيره.

الشرح: والمانعون "قالوا": قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ "لِتُبَيِّنَ" لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ … ﴾ [سورة النحل: الآية ٤٤] يقتضى أن شأنه البيان، "والنسخ رفع لا بيان" (١).


(١) وهو ينبني على مسألة بناء الأعراض.
فمن قال: بأن العرض يقبل البقاء والدوام قال: المنسوخ باق.
ومن قال: العرض لا يبقى زمنين قال: الحكم ينتهى بذاته كما ينتهي العرض.
وأنكر القرافي هذا البناء من جهة أن حكم الله هو خطابه القديم الواجب الوجود، فيستحيل عليه أن يكون عرضًا ولا مشاركًا للعرض في معنى وجودي، بل هو سبحانه ليس كمثله شيء في ذاته وصفاته، بل دوام الحكم بدوام تعلقه وانقطاعه بانقطاعه، وتعلق الصفات نسب وإضافات لا توصف، فإنها موجودة في الخارج ولا أعراض، فلا يستقيم. ينظر: الرازي ١/ ٣/ ٤٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>