ولم يقل أحد من المتأخرين هنا: إن خبر الواحد ينسخ المعلوم، فحينئذ "يلزم" من الاحتجاج بهما "نسخ المعلوم بالمَظْنُون، وهو خلاف الفرض".
لا يقال: إذا جاز بخبر الواحد، فالمتواتر أحرى.
لأنا نقول: ما يقتضيه من التجويز بخبر الواحد لم يقولوا به، وما يقولون به لا يقتضيه.
نعم لقائل أن يقول: إذا وقع النسخ بالحَدِيثين، وقد ثبت أن الواحد لا ينسخ القرآن، علمنا أنهما متواتران؛ لوقوع الاتفاق على أن النسخ حاصل بهما، وأن الواحد لا ينسخ الكتاب، فانحصر الأمر في المتواتر.
ويؤيد هذا أن زماننا ليس زمان النسخ إنما زمن النسخ سالف الزمان، فلعله كان متواترًا إذ ذاك.
لكن جوابنا: أنا لا نسلم أن: "لا وصية لوارث" نسخ قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: الآية ١٨٠]، إنما الناسخ لهذه الآية إن كانت منسوخة قرآن آخر، وقد عينه ترجمان القرآن ابن عباس ﵁ حيث قال: النَّاسخ لها آيات المواريث في سورة "النساء"، فاندفع ما لعلّه يقال: من أن الأصل عدم غير ما ذكرناه بتعيين ابن عباس.
وقد صرح مالك بن أنس ﵁ بهذا، نقله عنه القاضي عبد الوَهَّاب في "الملخص".
وأما المحصن فليس مما نحن فيه؛ لأنه تخصيص لعموم:"الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا"، والكلام في النسخ لا في التخصيص (١).
(١) معلوم أن التخصيص والنسخ يشتركان في أن كل واحد منهما بيان ما لم يرو باللفظ، إلا أنهما يفترقان في أمور، وهي: أن التخصيص يبين أن العام لم يتناول المخصوص، والنسخ يرفع بعد الثبوت، وأن التخصيص لا يرد إلا على إلعام والنسخ يرد عليه وعلى غيره. وأنه يجب أن يكون متصلا والنسخ لا يكون إلا متراخيًا، وأنه لا يجوز إلى أن لا يبقى شيء، والنسخ يجوز، وأنه قد يكون بأدلة السمع وغيرها، والنسخ لا يجوز إلا بالسمع. وأنه يكون معلومًا ومجهولًا، والنسخ لا يكون إلا معلومًا. وأنه لا يخرج المخصوص منه من كونه معمولًا به في مستقبل=